إطلاق مبادرة اليوم العالمي للرحمة في احتفالية دولية كبرى بمقر الإيسيسكو بالرباط
أطلقت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، ورابطة العالم الإسلامي، والرابطة المحمدية للعلماء، أمس الخميس بالرباط، مبادرة اليوم العالمي للرحمة، في احتفالية دولية كبرى احتضنها مقر “الإيسيسكو” في الرباط وعبر تقنية الاتصال المرئي، شهدت حضورا رفيع المستوى.
وفي كلمة بالمناسبة، قال أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، ان ” إطلاق مبادرة اليوم العالمي للرحمة يشهد على هذا الانتباه التأسيسي، والوظيفي لكون المؤسسات، والعمل المؤسسي في عالمنا، أضحى “أمرا ضروريا”، مؤكدا بأنه ” لا يمكن أن يتم التعامل مع سنة تتالي، وتوالي الأجيال الا عبر هذا المدخل”.
وأوضح أحمد عبادي، أن ” إطلاق مبادرة اليوم العالمي للرحمة، يأتي في سياق تنفيذ مخرجات المؤتمر العالمي حول “السيرة النبوية”، الذي نظم السنة الماضية، في مقر الايسيسكو، الذي أصدر من ضمن توصياته، التوصية بجعل الـ21 من كل شهر أبريل من كل سنة شمسية، يوما للرحمة”، معتبرا ” الاحتفال بهذا اليوم، مأسسة على سنن من كان بالمؤمنين، ولايزال رؤوفا رحيما عليه الصلاة والسلام، الذي كان اذا عملا رتبه، أي أرسى دعائمه، بحيث لا يضمحل ولا ينحل بعد ذلك”.
وأشار الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الى أن ” اطلاق مبادرة اليوم العالمي للرحمة يعتبر بمثابة “رتب لمعلم يمكن أن تترتب عليه جملة من الأعمال، ومن أكاد هذه الأعمال “القياس” و ” المواكبة” monitoring and evaluation “، مشيرا الى أن ” العمل الذي لا يقاس، و لا يواكب لا يمكن أن ينمو، وبالتالي فمن أكاد الأمور، التي يرشد اليها العمل المؤسسي، هو أن ننجز كل سنة دليلا نقيس عبره، ما الذي ينجز في هذه المضامير ذات الصلة ب”الرحمة”، على غرار الدلائل التي تقيس “السعادة”، و “الحبور”، و “الرفاة”، الى غير ذلك من الدلائل، التي تستعمل ما ينبغي من الروائز، و الأرغوريتمات ذات الصلة”.
ولفت أحمد عبادي، الانتباه، الى أن ” العمل المؤسسي هو الذي يسمح بفتح أعمار الأفراد لكي تنضم بعضها الى بعض فتنهمر أنهارا وقتية تجعل المستحيل ممكنا”، مبرزا أن ” هذه الأعمار أو Person years، هي هذه السنوات التي حين يجمع، ويضم بعضها الى بعض من خلال الأعمال المؤسسية تمكن مثلا من تجزئة حلم يلزم من أجل إنجازه مليون سنة، الى مليون قطعة، وبعد ذلك تضم هذه القطع الى بعضها البعض”.
وتابع الأمين العام للرابطة، أن ” الرحمة هي قيمة لكنها في ذات الان آثر، وهذا الأثر نجد له مفاصل ضمن نسق معين”، حيث أن “الحرمة في رسالة الختم، تطلع علينا في هذه المنصة، وهذه المصفوفة باعتبارها نسقا جميلا كالماسة، وهو نسق سباعي الأبعاد يتألف من سبعة أبعاد، أو أقطاب:
البعد الأولي: البعد التمثلي، و التصوري، الذي تبنى عبره خارطة العالم بل الأكوان في كينونة الانسان من أجل أن يصبح معينا للرحمة فردا واجتماعا. وهذه التصورات كلها، لها قطب محوري جامع هو السعي لنيل مرضاة الله جل جلاله فهو المنتهى. فقطب الرحى هو التوجه نحو الرحمان الرحيم، فردا واجتماعا، أو أفرادا وجماعات لنيل مرضاته عبر الرحمة بعباده. هذه الأبعاد كلها تبدأ دوما من التصورات والتمثلاث، و التي حين يرسى فيها قطب الرحى على هذه الشاكلة يصبح السعي للاقتراب منه من مدخل الرحمة والراحمون يرحمم الله. في هذا ابعد التصوري التمثلي نجد أن ثمة معادا، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا لذاته وللآخرين يراه، فهناك إلزام من خلال هذا الاجلاء والابراز للغاية التي فيها معاد وفيها حساب.
البعد الثاني: البعد الفكري والعلمي، الذي يصبح رافعة لإنجاز الرحمة، الى درجة أن ثمة جملة من النقوش ومن التكييفات ومن البناء في الوحي الخاتم، التي تم معها نقل الانسان من مجرد كونه كائنا يخضع للسنن، الى اعتباره كائنا يعي خضوعه للسنن، ويتعامل مع هذه السن احتراما، ولكن أيضا تسخيرا واستعمالا، وهي نقلة بعيدة بعيدة مكنت من نهضات علمية قد انتبه اليها غير واحد.
البعد الثالث، هو البعد الوجداني : قطب فيه أزيد من 100 شعور تتزاحم في صدر كل واحدة، وكل واحد منا، كيف نعي هذه المشاعر، وحين نتتبع القران المجيد نجدها شعورا مفصلة، ومتعامل معها بحيث تصبح مقل الجياد التي تجذب عربة كينونة الانسان نحو هذه القبلة. وهذا البعد الوجداني قد كلف به العلماء وألفوا فيه المؤلفات.
البعد الرابع، هو البعد الاجتماعي : هذا النسق الاجتماعي، و كيف نعيه، كيف ننظر اليه كما لو كان ساعة تتحرك، وأنساقا، وبنى، وقد انتبه العلامة سيدي عبد الحي الكتاني رحمه الله في كتابه “التراتيل الإدارية” الى هذا البعد، حيث جلى كيف أن هذه التراتيل التي ترتل المجتمع عبر مختلف المؤسسات والدواوين انما الغرض منها الرحمة.
البعد الخامس، هو البعد الدولي: هذا البعد لا شك أنه في غاية الأهمية، وأن ثمة تعاطيا. ومبادرة إطلاق مثل هذا اليوم فيه انتباه، ووعي بهذا البعد، وفيه قوة اقتراحية ان نحن تتبعناها بالعدد اللازمة، والمواكبة الناجعة يمكن أن نستخلص منه مزيدا من الرحمة لعالمنا، لاسيما، ونحن نسمع اليوم طبول الحرب تقرع في غير ما ناحية من عالمنا.
البعد السادس، هو البعد الكوني العملي، الذي نعيش ونحيا ضمنه، كيف نتعامل معه أيضا بالرحمة، فهو كون ساجد فيه هذه المنظومة، منظومة ارحم الراحمين.
البعد السابع هو البعد المتصل بالأدوار، والسلط، التي لابد منها في هذا التنظيم للشأن العام، حيث نهى عليه السلام والسلام، وحذر من أن يترامى “الرويبضة” على الشأن العام، فقال عليه الصلاة والسلام:” من ورائكم أياما خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمَن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”، كيف لا نبيح استباحة الأمر والشأن العام من قبل من لم يمتلكوا القدرات، والمؤهلات لمعالجة هذا الشأن.
وخلص الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الى أن ” هذه الأقطاب السبعة تشكل بالإضافة الى التشريعات، والتنظيمات، والقيم، و أضرب التداول، “رحمة”، وهي أنساق تتضافر فيما بينها لإنتاج الرحمة”، مبرزا أن “الرحمة في منظومة أرحم الراحمين ليست فقط “أمرا”، وانما هي “نسقية” نحتاج الى أن نعكف عليها العام كله من أجل أن نتوج في مثل هذا اليوم هذه السنة بدليل يقيس ويتتبع ويواكب”.
من جانبه، أوضح سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، في كلمته، أن ” الرحمة شأن رباني وشرفت به جميع الرسالات السماوية، وأن الرحمة قيمة تتناثر كقطرات غيث من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم”.
وأضاف أن ” الإيسيسكو نالت شرف المبادأة باقتراح يوم الرحمة يوما عالميا، للاحتفال به في 21 أبريل من كل عام، وصعدت به إلى مصاف التحقق، والتحقيق شراكة مع رابطة العالم الإسلامي، والرابطة المحمدية للعلماء، لوضع قلادة التسامح والتواد والتراحم، على صدر الزمان”.
ودعا المدير العام للإيسيسكو في كلمته جميع الناس إلى النظر بعين التأمل والترحيب إلى مكنونات اليوم العالمي للرحمة ومغازيه، وتعليم الناشئة معاني الرحمة وسلوكياتها. واختتم الكلمة بقصيدة “رحمة مهداة”، التي نظمها في المصطفى صلى الله عليه وسلم.
محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، اعتبر في كلمته المصورة، أن ” المبادرة تستحق بالغ الثناء والتقدير من الجميع، لكونها نابعة من شعورنا الدائم للحاجة الملحة للتراحم بين الناس على اختلاف أعراقهم وأديانهم”.
وأبرز أن ” الرحمة قبل أن تكون عاطفة إنسانية تستنهض إحسان البشر فيما بينهم، هي صفة من صفات الله تعالى، وحثت عليها الشرائع الربانية، ومجدها الحكماء، وفلاسفة الأخلاق. وقال إن وثيقة مكة، التي أصدرتها رابطة العالم الإسلامي جاءت لتكون ميثاقا تاريخيا يحمل رسائل الوعي والفكر الإسلامي المستنير، وقاعدة هذه الوثيقة هي مبادئ الإسلام، ومن بينها الرحمة”.
يشار الى أن الاحتفال باليوم العالمي للرحمة، يأتي بعد اعتماد قرار تخليده كل عام من الدورة 48 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، التي انعقدت في إسلام آباد بجمهورية باكستان الإسلامية في شهر مارس الماضي، و بعد أن أوصى به المشاركون في الإعلان الصادر عن المؤتمر الدولي حول القيم الحضارية في السيرة النبوية، الذي عقدته الإيسيسكو بشراكة مع رابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء، في ماي 2021، تحت الرعاية الملكية السامية لأمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده.