24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
من الأبناك والتأمينات إلى الحليب ومشتقاته.. الشركات المغربية تُنهي سيطرة فرنسية طويلة على الاقتصاد المغربي
استطاعت فرنسا، طيلة أكثر من قرن من الزمن، ترسيخ أقدام مؤسساتها العمومية والخاصة في المجال الاقتصادي بالمغرب، من خلال الاستحواذ على العديد من المؤسسات الصناعية والخدماتية، مستفيدة من اعتبارها الشريك الاقتصادي الأول للمغرب بناء على رغبة صناع القرار ذوي المصالح المتداخلة مع الفرنسيين، الأمر الذي رسخ لثقافة “فرنسة” العديد من القطاعات الاستثمارية في المجال المالي ومجال التأمين والصناعات الغذائية وغيرها.
واستطاعت الشركات الفرنسية أن تجد لنفسها موطئ قدم حتى في سنوات الألفينات، عبر الجماعات المحلية التي منحتها مقاليد التحكم في مجالات تدخل ضمن اختصاصاتها قانونا، وذلك عبر بوابة التدبير المفوض، لكن كل ذلك آخذ الآن في التراجع، إذ في الوقت الذي أصبح فيه المغرب أكثر انفتاحا على شركاء اقتصاديين جدد بعيدا عن لازمة “الشريك التاريخي” التي كانت تمهد لباريس الطرُق الوعرة، اختارت العديد من الشركات الفرنسية إخلاء المكان لنظيرتها المغربية سواء العمومية أو الخاصة.
مصرف المغرب.. يعود للمغرب
ويبدو هذا التوجه حاضرا في المجال البنكي، وتحديدا من خلال تخلص مصرف المغرب، الذي كان فرعا للقرض الفلاحي الفرنسي Credit Agricole، من التبعية للمؤسسات المالية البارسية، إثر دخول مجموعة “هولماركوم” المغربية على الخط، والتي استحوذت على أكثر من ثلاثة أرباع أسهم المؤسسة الأمر الذي تم في أبريل من العام الجاري.
و”هورمالكوم” هي المجموعة القابضة المملوكة لعائلة بنصالح، وتدير شؤونها عمليا مريم بنصالح الرئيسة السابقة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، والمالكة للعديد من العلامات التجارية المعروفة في مجال التغذية وتحديدا شركة المياه “سيدي علي” وشركة المياه الغازية “أولماس”، وأحد الفاعلين البارزين في مجال التأمينات، حيث اقتنت 78 في المائة من أسهم بنك “مصرف المغرب” الذي كان فرنسيا واصبح مغربيا بعد هذا الاستحواذ.
وكان الرئيس المدير العام لمجموعة “هورمالكوم”، محمد حسن بنصالح، والرئيس المنتدب لمجموعة القرض الفلاحي الفرنسية، كزافي موسكا، قد أعلنا هذا الأمر من خلال بلاغ مشترك أكدا فيه أن الصفقة تنص على انتقال 78,01 في المائة من الأسهم إلى ملكية “أطلنطا سند للتأمين” التابعة للهولدينغ المغربي، الأمر الذي أنهى إحدى جوانب الحضور الفرنسي في عالم الأبناك بالمملكة.
أكسا.. السيطرة على إفريقيا
لكن المجال البنكي ليس الوحيد الذي شرع المغرب في إبعاد فرنسا عنه لفائدة شركاته، فالأمر يسري أيضا على مجال التأمين، ففي أواخر شهر أبريل الماضي أكلنت مجموعة “إيكسباندو” القابضة، عن استحواذها على 80 في المائة من شركة “آكسا أسيستنس المغرب”، وهو ما لا يعني انتهاء هيمنة الشركة الفرنسية بالمغرب فقط، بل بكامل القارة الإفريقية.
ووفق البلاغ الصادر عن المؤسسة المملوكة لرجل الأعمال المهدي التازي، وهو أيضا نائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، فإن “أكسا المغرب” أصبحت تابعة للهولدينغ المغربي، نفس الشيء بالنسبة لـ”أكسا بارتنر” التي تملك جميع فروع “أكسا للتأمين” في الدول الإفريقية باستثناء الجزائر، الأمر الذي سيتم عمليا قبل نهاية العام الجاري إثر الحصول على الرخص التنظيمية.
وكان بيان للشركة المغربية أن عملية شراء أسهم المجموعة الفرنسية يأتي ليؤكد الرغبة في إعادة النظر في مهنة الإنجاد في ظل التطورات التكنولوجية، ومن أجل جعل أكسا أسيستانس المغرب” رائدا على صعيد القارة الإفريقية في مجال خدمات إنجاد الأشخاص في وضعية طوارئ، علما أن صاحب المجموعة الجديد كان مديرا عام لشركة “سهام للتأمين” والتي انتقلت ملكيتها إلى “سانلام” الجنوب إفريقية.
نحو انتهاء التدبير المفوض
ومن المجالات التي ظلت الشركات الفرنسية متمسكة بها لعقود في المغرب، مجال تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل، والذي كانت قد وصلت إليه عبر عقود التدبير المفوض التي مكنتها من الظفر بصفقات استراتيجية بالمدن الكبرى، وخصوصا الدار البيضاء والرباط وسلا وطنجة وتطوان، لكن يبدو أن هذا الأمر آخذ في التراجع لصالح المؤسسات المغربية.
وبرز ذلك شهر يونيو من العام الجاري، حين جرى العرض العمومي الإجباري للسحب على أسهم شركة “ليديك” المودعة لدى الهيئة المغربية لسوق الرساميل بمبادرة من العملاق الفرنسي بمبادرة من VEOLIA ENVIRONNEMENT
وشركة VIGIE المملوكة لها، وبعدها بشهر صدر عن بورصة الدار البيضاء طلب إلى هيئة الرساميل من أجل توقيف الأسهم.
والمثير في الأمر هو أن هذه العملية سبقها، بتاريخ 30 ماي 2022، تصريح عن عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية، إجابة على سؤال شفي لمجلس النواب، أن الحكومة بصدد العمل على توجه جديد، سيرى النور قريبا، يقوم على إحداث شركات جهوية متعددة الخدمات لتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل، وأضاف أن الهدف من هذا التوجه يتمثل في التوفر على شركات ذات إمكانيات مادية ولوجستية وبشرية قادرة على تسيير هذه القطاعات على أكمل وجه.
دانون.. نهاية فرنسة الحليب
وفي مجال الصناعات الغذائية، تستعد إحدى أبرز العلامات الموجودة في المغرب تاريخيا، والتي ظلت لعقود تتحكم في صناعة حيوية هي تلك المرتبطة بالحليب ومشتقاته، لمغادرة السوق المغربي، ويتعلق الأمر بمجموعة “سنترال دانون”، المملوكة لـ”جيرفي دانون” الفرنسية بنسبة تقارب المائة في المائة، حيث أعلنت رسميا عن بيع أسهمها بعد موافقة الهيئة المغربية لسوق الرساميل في مارس من السنة الجارية.
ويتعلق الأمر بشركة أصبحت سمعتها سيئة لدى المغاربة منذ سنة 2018، تاريخ مقاطعة منتجاتها في حملة استهدفت مجموعة من الشركات الأخرى وتحديدا “أفريقيا” للمحروقات و”سيدي علي” للمياه المعدنية، والتي وجدت نفسها تنافس العديد من العلامات المغربية التي أنهت سنوات طويلة من احتكارها شبه المطلق للسوق وبالتالي تحكمها في الأثمنة.
وأعلنت “جيرفي دانون” أنها ستعمل على اقتناء كامل أسهم “سنترال دانون” التي تصر حصتها فيها حاليا إلى 99,68 في المائة، لتصل إلى 100 في المائة، ما يعني التخلص من جميع المساهمين قبل إعادة طرحها في السوق لبيعها بالكامل وبالتالي الانسحاب من المغرب، الأمر الذي حظي بموافقة سوق الرساميل المغربي في خطوات تمهد لإنهاء الوجود الفرنسي في مجال الحليب ومشتقاته.