24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
خبراء: “الجاذبية الاستثمارية” تقوي الدعم السياسي الدولي لمغربية الصحراء
لم تقتصر قراءة المحللين في دلالات الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة على الشق السياسي الذي حضَرَ بقوة، خاصة عبر “المتغيّر الشكلي” اللافت للأنظار، إذ أجمعوا على أن “خطاب 11 أكتوبر” رسالة واضحة عن “أهمية البعد الاقتصادي كعامل رئيسي لتعزيز سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وجعل الصحراء المغربية محورًا للتنمية الوطنية والإقليمية والقارية”.
ولم تخطئ أعين المحللين سياقات اقتصادية بارزة تخللت حديث الملك خصوصاً عند شُكره الصريح لجميع “الدول التي تتعامل اقتصادياً واستثماريا مع الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني” معتبرا أنها “تُواكب مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها الصحراء المغربية، وتُعزّز موقعها كمحور للتواصل والتبادل بين المغرب وعمقه الإفريقي”، حسب الوراد في الخطاب.
محمد عادل إيشو، أستاذ العلوم الاقتصادية بالمدرسة العليا للتكنولوجيا في خنيفرة، شدد ضمن قراءته لمضامين الخطاب على أن “الملك جعل الصحراء المغربية بوابة المغرب للتنمية والاستقرار في إفريقيا، خاصة تأكيده على تعزيز التنمية الاقتصادية في الأقاليم الجنوبية”.
وقال إيشو في تصريح لجريدة هسبريس: “أكد الملك أن التنمية في الصحراء المغربية ليست فقط جزءًا من مشروع التنمية الشامل للمملكة، بل هي أيضًا أداة لتعزيز الاندماج الوطني ولترسيخ سيادة المغرب في المنطقة”، مبرزا أن “تسليط الضوء على المشاريع الاستثمارية والتجارية في الأقاليم الجنوبية مؤشر على أن المغرب يسعى إلى خلق بيئة اقتصادية قوية في المنطقة، ما سيزيد من ارتباطها الوثيق ببقية مناطق المملكة، ويقلل من أيّ تأثير للمحاولات الانفصالية”.
ولفت المتحدث إلى أن “توجيه الشركات الأجنبية والمستثمرين نحو الأقاليم الجنوبية، وإعطاء الدعم لهذه الاستثمارات، يعكس رؤية المغرب لتحويل الصحراء إلى منطقة مزدهرة اقتصاديًا؛ بما يساهم في رفع مستوى معيشة سكانها وتعزيز الاقتصاد المحلي”.
التكامل الاقتصادي الإقليمي
حسب المحلل الاقتصادي ذاته فإن “الخطاب أثبت أن الصحراء المغربية يمكن أن تكون مركزاً للتكامل الإقليمي، إذ تدعَم المملكة مشاريع إستراتيجية تربط بين شمال وغرب إفريقيا، من بينها مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا؛ الذي يعكس طموح المغرب إلى أن يصبح بوابة للطاقة في إفريقيا ويخلق فرصًا اقتصادية وتنموية للدول الإفريقية المرتبطة بهذا المشروع”.
المصرح لهسبريس استحضرَ “تمتّع المغرب بموقع جغرافي فريد يعزز من دوره كجسر بين إفريقيا وأوروبا”، وزاد: “مع تطوير الأقاليم الجنوبية يمكن للصحراء المغربية أن تصبح مركزاً للتبادل التجاري والنقل البحري، ما يخدم النمو الاقتصادي الإقليمي ويدعم الاقتصاد المغربي ويعزز نفوذه الإقليمي”.
ولم يخل الخطاب الملكي من محور “ربط الأقاليم الجنوبية بالمبادرات القارية الإستراتيجية”، حيث أكد الملك على أهمية انخراط الأقاليم الجنوبية في المبادرات القارية، مثل مشروع أنبوب الغاز، ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية. هذه المشاريع “تعزز من ارتباط المغرب بمحيطه الإفريقي وتعطيه مكانة إستراتيجية في القارة”، وفق إيشو.
وزاد المحلل ذاته: “رؤية المغرب لتطوير الصحراء لتصبح محورًا للتواصل بين إفريقيا وأوروبا تجعل من الأقاليم الجنوبية حلقة وصل مهمة، ما يعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة ويسهم في تحقيق طموحات المغرب القارية. كما أن هذا التوجه يزيد من حظوظ المغرب في جذب الاستثمارات الدولية والإفريقية في المنطقة”.
الاقتصاد يسند الدعم السياسي
أستاذ الاقتصاد لفت إلى إشارة دالة حينما ذكر خطاب الملك “الدول التي تتعامل استثماريًا وتجاريًا مع الأقاليم الجنوبية مساهمةً في تعزيز سيادة المغرب؛ إذ تعترف بشكل غير مباشر بالمنطقة كجزء لا يتجزأ من المملكة”، مشيراً إلى أن “المغرب يستخدم القوة الاقتصادية كوسيلة لتعزيز مواقفه السياسية، إذ إن استثمارات الدول والشركات الأجنبية تعطي شرعية ودعمًا سياسيًا لمغربية الصحراء”، مضيفا أن “خلق بيئة اقتصادية مواتية للاستثمار يوسّع نطاق الدول الداعمة لقضية الصحراء، ما ينعكس إيجابيًا على موقف البلد السياسي في الساحة الدولية، خاصة أن دعم الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، له تأثير كبير على تعزيز مبادرة الحكم الذاتي كأساس لحل النزاع”.
“قراءة من منظور اقتصادي”
أكد الخبير الاقتصادي ذاته أن “تعزيز الأمن الاقتصادي كأداة للاستقرار السياسي” دلالة هامّة تضمنها خطاب افتتاح البرلمان، وقال معلقا: “استثمار المغرب في الصحراء يُعدّ أداة لتثبيت الاستقرار في المنطقة، لأن التنمية الاقتصادية رافعة أساسية لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي. من خلال تطوير البنية التحتية، ودعم المشاريع الكبرى، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، يسعى المغرب إلى تعزيز ارتباط الصحراء ببقية مناطق المملكة، ما يرسخ الوحدة الوطنية ويعزز مناعة المنطقة ضد أيّ محاولات لزعزعة الاستقرار”.
كما أشار المتحدث إلى “دور المغرب كفاعل اقتصادي إقليمي وقاري، عبر مشاريع أنبوب الغاز والمبادرات الإفريقية الأخرى التي تُظهر الطموح المغربي لأن يكون مركزًا اقتصاديًا إقليميًا”، مردفا: “من خلال تحويل الصحراء إلى مركز للتجارة والطاقة يستهدف المغرب تأمين موقع إستراتيجي ضمن التكتلات الاقتصادية الإفريقية، ما يجعله شريكًا رئيسيًا في التنمية القارية”، خالصاً إلى “الاستفادة من الدعم الدولي لإطلاق تنمية مستدامة في المنطقة، ما يُعزز من ثقة المستثمرين، ويزيد من إمكانيات المغرب في جلب استثمارات أجنبية لتطوير البنية التحتية، والزراعة، والصناعة، والسياحة في الأقاليم الجنوبية، ما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني ويفتح آفاقًا جديدة للتنمية”.
الاستثمارات في الصحراء
تطرّق إدريس العيساوي، خبير ومحلل اقتصادي، ضمن قراءته للخطاب إلى “أبعاد ملف الصحراء المغربية الاقتصادية والاستثمارية”، معتبرا أنه “كما أعلن الملك بصراحة فإن الانتقال إلى مقاربة التغيير بعد مرحلة التدبير تعني الشق الاقتصادي للتنمية بالصحراء وأقاليمها”.
وقال العيساوي، ضمن تعليقه، إن “من أهم هذه الجوانب التي شملها الخطاب شُكر صريح للدول التي ساندت بلادنا في وحدتها الترابية وتعاملها مع أقاليم منتمية إلى الحوزة المغربية كجزء لا يتجزأ من الكلّ المغربي، خصوصا دولتيْ فرنسا إسبانيا الحاضرتين عبر استثمارات متعددة في أقاليمنا الجنوبية”.
ولفت المحلل ذاته إلى أن “الملك يُحيّي في هذه الدول المتعاملة اقتصادياً وتجارياً مع الصحراء المغربية مروءة المواقف وشجاعة الاعتراف بمغربية الصحراء”، قارئاً في السياق “توجيه الخطاب الملكي بشكل ضمني عددا من الإشارات للرد على قرار محكمة العدل الأوروبية الصادر بداية أكتوبر”.
كما لفت الخبير نفسه إلى أن “محورية الداخلة عبر مينائها الأطلسي الواعد، ومرور أنبوب الغاز على 15 دولة، تؤكد مكانة الأقاليم الجنوبية المغربية في ضمان مشروعية وحركية التنمية الاقتصادية والاستثمارية البارزة، بعد سلسلة انتصارات دبلوماسية وسياسية وإطلاق مبادرة البلدان المطلة على الأطلسي وأخرى متعلقة بالساحل”.
وتابع المتحدث “هي إذًا مشروعية تاريخية سياسية نضالية تضاف إليها مشروعية اقتصادية لترسيخ سيادة المغرب على كامل صحرائه”، مبرزا أن “الخطاب يؤكد أن دور البرلمانيين حان ليترافعوا في المستوى الداخلي والخارجي على هذه المشروعيات وحمايتها”.
كما اعتبر العيساوي أن “السياسة المغربية في ملف الصحراء وصلت إلى مرحلة من النضج والتغيير والانفتاح، محاولة استكمال مختلف الجوانب الضرورية لطيّ هذا الملف؛ في ظل إشارة دالة جدا على تأكيد المغرب أنه سيظل دائما حازما في موقفه، وفياً لنهج الانفتاح على محيطه المغاربي والجهوي، بما يساهم في تحقيق التنمية المشتركة، والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة”.