24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
بين فاس و بني يزناسن
منذ سنة 1933م أخذ الطلبة اليزناسنيون يتضاعف عددهم في جامعة القرويين، وكان هؤلاء الطلبة يشاهدون الاحداث الوطنية والنشاط الذي كانت تقوم به الحركة الوطنية التي ابتدأت بأسلوب سلفي. وبطبيعة الحال أخذ الطلبة اليزناسنيون يقبلون على قراءة صحف الشرق ومجلاته، وحينما يقضي هؤلاء الطلبة رخصهم في بني يزناسن مسقط رؤوسهم يأخذون في حكاية ما رأوه في فاس من النهضة العلمية، وما شاهدوه من اساليب الحضارة العربية الاسلامية الرائعة وما يلمسونه من لطافة آداب السلوك وما تقوم به الحركة الوطنية من اعمال، ويحللون الاهداف السامية التي ترمي اليها، ويقارنون هذا الاسلوب الوطني التحرري باساليب العهود الاولى لنشأة الدين الاسلامي، وما إلى ذلك من مختلف مشاهداتهم ومقروءاتهم، وقد كان لذلك أيضا أثر في نفوس المواطنين ببني يزناسن. فإن أحاديث طلبة بني يزناسن في فاس كانت تشوق شباب بني يزناسن للالتحاق بجامعة القرويين بقدر ما كانت تبذر فيهم بذور الافكار التحررية والاحساسات الوطنية والمشاعر الدينية، وتعرفهم شيئا فشيئا بمقدار المسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتقهم حيال الاوضاع السياسية الشاذة التي كان يعيشها الوطن آنذاك، وانهم مسؤولون امام الاجيال المقبلة عن كل لحظة تمر من حياتهم ولا يقومون فيها بواجبهم نحو وطنهم الاسير.
النشاط السياسي في سنة 1936م
إن دائرة النشاط الوطني قبل سنة 1936م لم تكن تتجاوز اقليم تازا الى الاقليم الشرقي، وانه كما اجتمع اعضاء الحركة في فاس الذين كانوا يشرفون من اعلى على تسييرها وتحدثوا عن الاقليم الشرقي الا وقرروا عدم القيام باي عمل هناك، وذلك ان سكان هذا الاقليم عمليون اكثر من القياس واذا انضموا الى الحركة الوطنية ربما افرطوا في العمل اكثر فيؤدي ذلك الى اثارة الفرنسيين فيقضوا على الحركة في مهدها. بالاضافة الى ان الاقامة العامة كان ترسل حكاما اشداء واختصاصيين لحكم اقليم المغرب الشرقي وكانوا يديرونه في شبه استقلال عن الاقامة العامة ذلك انهم صعبو المراس والانقياد كما تضافرت تقارير حكامه على التوالي عهد الاستعمار.
وفي هذه السنة اي 1936م فتحت المدرسة القرآنية بوجدة بادارة السيد عبد السلام الوزاني فكانت اصلا لكل مدرسة قرآنية فتحت في مدن المغرب الشرقي. ثم قرر ان تخصص زيارة الى ابركان لفتح مدرسة قرآنية فيها وذلك بارسال وفد الى ابركان برئاسة علال الفاسي. فتحت المدرسة القرآنية بابركان وكانت عبارة عن بيت طويل عريض مسقف بالقرمود اشبه ما يكون ب”الكراج” وكان يديرها السيد عبد المالك بن المختار بوتشيش. وبعد شهرين على ادارة هذا الاخير حتى اضطر لمغادرتها حين انخرط في سلك العدول باحدى المحاكم الشرعية ثم عين السيد عمرو بن الحسين الوكوتي مديرا للمدرسة القرآنية.
لم تكن الحركة الوطنية المركزية في فاس تقوم بنشاط منظم خصوصا في الاقاليم، بحيث لم تكن انشأت لها فروعا تشرف على تأسيس الخلايا والحلقات والجماعات، وتوافيها بالنشرات الوطنية التربوية، إذ أن نشاطها كان يتمثل في المدارس القرآنية والدعوة السلفية والصحف الوطنية والسياسية.
أما في بني يزناسن فتتجلى مظاهر نشاط الحركة الوطنية في مظهرين بارزين:
1) المدرسة القرآنية التي كان يديرها السيد عمرو بن الحسين الوكوتي، ولم يكن لهذه المدرسة نظام وأقسام وأساتذة، ولكنها كانت عبارة عن بيت طويل عريض كما اسلفت ليس غير، وكان المدير يقسم التلاميذ الى طبقات فيلقن كل طبقة القرآن ومبادئ في النحو والسيرة النبوية والتاريخ والفقه والتوحيد وبعض الانشدة الوطنية.
2) قراءة الصحف الوطنية وفي مقدمتها ” الاطلس “، وكانت موضوعات هذه الصحف تثير تعاليق في مختلف الاوساط، وتبعث على الجدل او المناقشة في الشوارع والمقاهي والمنازل فيتكون من كل ذلك جو وطني حماسي يساعد الوعي الوطني على النمو والتطور الطبيعيين.
أحداث 1937م
في سنة 1937م وقع إنشقاق بين أعضاء الكتلة الوطنية وما تفرع عن ذلك من تأسيس حزبين متخالفين: الحزب الوطني بزعامة السيد علال الفاسي والحركة القومية بزعامة السيد محمد بن الحسن الوزاني.
إن الحركة السلفية التي هي مرجعية الحركة الوطنية التي يتزعمها الزعيم علال الفاسي وجدت لها صدى في الأوساط الشعبية خاصة طلبة القرويين الذين كانوا يحضرون في حلقات دروسه ويستفيدون من توجيهاته وارشاداته. وكان من الطبيعي ان تتأثر مدينة أبركان بزعامة علال الفاسي للاثر العميق الذي خلفته دروسه وتوجيهاته في الطلبة اليزناسنيين.
في سنة 1937م قدم الزعيم علال الفاسي وثيقة مطالب الشعب المغربي للسلطات الحماية، وكان رد فعل السلطات الفرنسية عدم الاستجابة لهذه المطالب، بل قامت في نفس السنة باعتقال عدد من الزعماء الوطنيين. أبعدت علال الفاسي إلى الغابون إلى سنة 1941م، ثم إلى الكونغو حتى سنة 1946م ، ووضع محمد بن الحسن الوزاني تحت الإقامة الجبرية في جنوب المغرب. واحتجاجا على اعتقال هؤلاء الزعماء إضطربت مدينة فاس بالمظاهرات الصاخبة، وكان السيد عمرو بن الحسين الوكوتي في فاس للاتصال بقادة الحزبين قبيل اعتقالهما، وعندما اراد الرجوع الى ابركان القي عليه القبض وحكم عليه بستة اشهر سجنا، وقد عان مأساة جد مؤلمة في سجن كلميمة مع سبعين من الوطنيين الفاسيين الذين رأوا الامرين. اثر هذا الحدث اغلقت المدرسة القرآنية ابوابها لان الحركة الوطنية لم تستطع ان تقيم خلفا للمدير المعتقل في فاس، وبعد ستة اشهر ( مارس 1938م) اطلق سراحه ورجع الى ابركان.
إنتقام فرنسا من بني يزناسن
كانت فرنسا تعاقب كل من رأت فيه وعيا وطنيا او منخرط في حركة ما او عضو في مؤسسة قد يعود عليها بالوبال، فبدأت كما اسلفت الذكر باعتقال السيد عمرو بن الحسين مدير المدرسة القرآنية، وايضا قامت بإقصاء وفصل السيد المرحوم محمد بن عيسى الصلاني المعروف بالفرملي من عمله الذي كان بالمستشفى المحلي، لأنه كان يقدم مساعدة طبية لتلاميذ المدرسة القرآنية، بالاضافة لدوره الفعال الذي كان يلعبه في الحركة الوطنية.
علمت فرنسا ان بني يزناسن هم اقسى المحاربين ومازالت تتذكر الخسائر التي تكبدتها في محاربتهم منذ حروبها مع الامير عبد القادر، من اجل هذا كانت ترسل حكاما أشد حقدا وبغضا على اليزناسنيين، من بين هؤلاء الحكام او المراقبين ‘باشلو’ الذي كان يعذبهم اشد العذاب. والغريب ما كان يصدر من هذا الرجل انه في ايام السوق وهو يوم الثلاثاء يجلس في الطريق المؤدي إلى السوق بحوالي كيلومتر واحد، وكل من مر عليه ولم يلق عليه تحية عسكرية يامر باعتقاله. اصبحت عدم تحية المراقب جريمة يعاقب عليها القانون يحكم عليها بنصف شهر حبسا، ونعلم ان بني يزناسن لا يرضخون بهذه السهولة فقد يتعمدون ملاقاته ولا يحيونه فيلقي بهم في السجن. لم يطل مقام ‘باشلو’ في ابركان فقد اصدر رئيس المراقبة ‘سيروك ‘ بعدم معاقبة الذين لا يحيونه، ثم تم نقله الى وجدة.
فمنذ نوفمبر 1942م وعمليات الاعتقال والتعذيب والسجن والتشريد مسترسلة في صفوف الوطنيين اليزناسنيين، وكانت الاحكام تتراوح بين سنة، سنتين او ثلاثة، ومنهم من اطلق سراحه بعد التعذيب، ومنهم من حكم عليه بالسجن، فقد اعتقل المرحوم السيد قدور الورطاسي مع 39 من الوطنيين في يوم الاحد 6 فبراير سنة 1944م إثر القائه خطبة جد مؤثرة ابكت الحاضرين في المسجد الاكبر بوجدة، وفي 19 فبراير 1945م اطلق سراحه مع عشرات الاخوان، ومنهم من نفي الى الصحراء مثل المرحوم السيد عمرو بن الحسين الوكوتي الذي اعتقل ونفي الى الصحراء ولم يطلق سراحه إلا في أواخر سنة 1945م.
أحداث 1945م
ولأول مرة إحتفل اليزناسنيون بعيد العرش لسنة 1945م، وقد كانت الاستعدادات في سرية تامة الى ان حل يوم عيد العرش 18 نوفمبر من سنة 1945م، وكانت هذه الحادثة مفاجأة للمراقبة والتي كان على رأسها ‘رامونة’. يعتبر هذا الاحتفال التاريخي بعيد العرش اول فتح سياسي علني امام اعين الفرنسيين في بني يزناسن. فقد كانت لهذه الاحتفالات أصداء عميقة في مجموع بني يزناسن.
يرجع تنظيم شعب فرع حزب الاستقلال بابركان الى شهر ابريل سنة 1945م، وكان منزل المرحوم جلول بن محمد بن جلول الوكلاني المقر الذي تقام فيه كل الاجتماعات التي كانت في غاية من السرية.
في أواخر سنة 1945م وبعد الافراج عن الحسن شاطر بعد 4 سنوات من السجن وعمرو بن الحسين بعد عامين من المنفى، تأسس أول فرع لحزب الاستقلال بابركان ووزعت المسؤوليات كما يلي:
قدور الورطاسي : كاتب الفرع
عبد القادر بن الحاج احمد اليعقوبي : خليفته
عمرو بن محمادي الوكيلي : أمين المال
الحسن شاطر الوكوتي : خليفته
عمرو بن الحسين الوكوتي : مستشار
السيد جلول لم يكن ضمن الائحة لان قانون الداخلي للحزب لا يسمح باكثر من خمسة أعضاء.
أحداث وقعت في بني يزناسن 1946ـــ 1953
وفي شتنبر 1946م أصدر حزب الاستقلال جريدة العلم التي كانت تقدم خدمات مهمة وكان المرحوم قدور الورطاسي ينشر فيها مقالات الاحداث منها احتفالات عيد العرش التي تقع في جموع بني يزناسن وكان ايضا رحمه الله مكلفا ببيعها، إذ كان يبيع منها سبعين عددا يوميا وكان يبيع ايضا مجلة الرسالة.
في سنة 1946م أفرج عن الزعيم علال الفاسي من منفاه حيث ظل سجينا تسع سنوات كاملة (من 1937 الى 1946م)، وأمين الحزب احمد بلافريج من منفاه بكورسيكا (11- 05 – 1944)، وكان هذا الحدث اثرا طيبا لفائدة توسيع نشاط الفرع الوطني ماديا ومعنويا، وفتح باب الانخراط في الحزب. وبهذه المناسبة قام وفد من فرع حزب الاستقلال من ابركان بزيارة للزعيم علال الفاسي وامين العام للحزب، وكان الوفد يتكون من السادة: قدور الورطاسي، عبد القادر بن الحاج احمد اليعقوبي، الحسن شاطر الوكوتي وعمرو بن الحسين الوكوتي.
في خريف 1946م تم إنشاء مدرسة حرة بابركان (أطلق عليها مدرسة النهضة) التي كان السيد عمرو بن الحسين يتولى إدارتها والتي كانت تهدف الى 5 اهداف:
1) تدارك النقص البين في اللغة العربية والتربية الوطنية والدينية
2) إظهار عجز الادارة الفرنسية وتلاعبها في ميدان الثقافة والتعليم
3) تشغيل طلبة العلم الوطنيين الذين كانت الادارة الفرنسية تسد الابواب في وجههم
4) اإستغلال المدرسة للنشاط السياسي والثقافي
5) محاولة ربط الصلات مع آباء التلاميذ لاشراك من ابتعد منهم عن الميدان عن طريق التعليم الحر
اصبح فرع حزب الاستقلال في ابركان قوة لايستهان به ، فلقد غزت الافكار التحررية والاستقلالية عشرات القرى والمداشر ببني يزناسن وللتحسيس اكثر وللتذكير لحادثة الحماية المشؤوم، فكر اعضاء المكتب بصيام هذا اليوم واغلاق الدكاكين، فالبفعل صام الناس هذا اليوم واغلقت فيه الدكاكين واصبحت عادة في مجموع بني يزناسن حتى استقلال المغرب.
في يونيو 1948م وقعت احداث في وجدة وجرادة بين مغاربة ويهود قتل فيها بعض اليهود، كما قتل ايضا مدير البريد وهو فرنسي واتهم السيد عبد الكريم البرحيلي اليزناسني بتهمة قتله، بعدما عذب 22 يوما، ثم احيل على المحكمة العسكرية بالدار البيضاء، فبرأته المحكمة مما نسب اليه من تهمة القتل، ثم بمجرد رجوعه الى وجدة القي عليه القبض ونفي الى فم لحنش باقليم ورززات ولم يطلق سراحه الا يوم 13 يوليوز سنة 1955م، وبعد يومين من اعتقاله ذهب الفقيه السيد محمد بن التهامي شقيق الاخ عبد الكريم الى المسجد الاعظم وضرب الباشا السيد المهدي الحجوي في وسط المسجد اعتقادا منه انه الذي اعتقل اخاه عبد الكريم، ولقد حمل الباشا الى المستشفى في حالة خطيرة شفي بعدها بشهور اما السيد محمد فقد قتله المخزن في نفس اللحظة.
عقب هذه الحوادث أصدر ‘برونيل’ رئيس الناحية أوامره بارجاع بني يزناسن الذين استوطنوا وجدة قديما وحديثا، وكانوا يعدون بالمئات الى مساقط رؤوسهم، وخصوصا من ناحية عين الصفا والابصارة واحفير وبني وريمش وبني موسى .ولم يكتفي يعني برونيل بهذا العمل الشنيع فقد كان يعتبر اليزناسنيين هم المحركون الاساسيون لكل حدث يحدث في المغرب الشرقي، فاعتقل بعض اليزناسنيين الذين كانوا يتواجدون في وجدة منهم قدور الورطاسي ولكن بعد تدخل القائد المنصوري الذي سمع كلاما من السيد الحاج احمد شاطر الذي شهد على ان قدور الورطاسي بريء براءة الدم من ابن يعقوب وانه كان في سفرية تجارية، أطلق سراح قدور الورطاسي ومنع من السفر خارج ابركان، حتى شقيقته التي كانت تسكن على بعد 3 كيلومتر من ابركان كان ممنوعا من زيارتها.
لمضاعفة النشاط الوطني وزرع الوعي في كل مجموع بني يزناسن تأسست فروع حزب الاستقلال في أحفير، بني ادرار، تافوغالت، عين الصفا و مداغ. كان دور هذه المكاتب هو توعية سكان البادية وتزويدهم بنشرة الحزب وبالمعلومات التي تساعدهم على نمو وعيهم الوطني. كانت كل هذه الفروع تابعة الى فرع ابركان وكانت هناك اتصالات ومراسلات تعقد في سرية تامة.
في سنة 1949م قام فرع الحزب بتنظيم حفلات عيد العرش وكان احتفال هذا العام اكثر من سابقيه، حين تتيقن فرنسا عبر مراقبيها بان ليس لضغطها اي نتيجة في تقوية معنويات بني يزناسن. كانت حفلات هذه السنة من اعظم المظاهر الاحتفالية التي تتجلى في قوة حزب الاستقلال، وكان هذا الحدث بطبيعة الحال يغيض المراقبين الفرنسيين، واثناء هذه الاحتفالات اعتقل السيد الحسين شقيق قدور الورطاسي وشاب آخر هو الحسين بن الحاج محمد بن بنسعيد الورطاسي. وبعد ذلك قامت مظاهرة احتجاجا على اعتقالهما فأطلق سراحهما. عقب هذه التظاهرة استدعت المحكمة الفرنسية بوجدة بعض الاستقلاليين سجن بعضهم وبرأت البعض بعد استأنافهم للحكم.
قرر المقيم العام الجنرال جوان بان يقوم بزيارة تفقدية للمغرب الشرقي و بني يزناسن. ولنجاح هذه الزيارة قامت السلطات في ابركان بكل الوسائل المتاحة لانجاح هذه الزيارة، وهذا لاعطاء نظرة للكاتب العام ان بني يزناسن هم من انصار الحماية الفرنسية وان ما يقال عنهم من نشاط ضد الحماية، انما هو مجرد إشاعات وإدعاءات من اعداء فرنسا ليس إلا. إتخذ مكتب الفرع إجراءات لمحاربة هذه الزيارة، وتتمثل في ابلاغ كل المداشر و القرى بعدم القدوم لابركان في ذلك اليوم، وعدم الجلوس في المقاهي وان يمنع كل شاب من ان يساهم في نشاط هذا الحفل. اصدرت تعاليم جد مشددة للمخالفين لهذه التعاليم .
اثناء الزيارة وجد الجنرال جوان مدينة بركان خالية على عروشها، فلا جمهور ولا رايات، هذا يؤكد مقاطعة بني يزناسن له. بهذا الموقف أعطى اليزناسنيون درسا قاسيا لرجال الحماية الفرنسية.
لقد تطورت مظاهر النشاط الوطني والسياسي في كل فروع الحزب والتي كانت تتمثل في بيع جريدة العلم في بني ادرار بدلا من شراءها من احفير او من وجدة، وايضا تعيين مراسلا للعلم ورفض كل الدعوات خاصة لطعام العشاء للسيد القائد محمد التميمي، والتصريح بانهم فرع بني ادرار وليس مجرد اعضاء تابعين لفرع وجدة. وماكان يجري من نشاط وطني وسياسي في قيادة ابركان واحفير وبني ادرار اثار حماس الاخوان في تافوغالت الذين قاموا بتوزيع المناشر والبرقيات ومذكرات للامم المتحدة حول القضية المغربية، وقد لاقوا هجمات شنعاء من طرف الفرنسيين التي انتهت بالضرب المبرح والسجن.
منذ 1950م اصبح السيد قدور الورطاسي المسؤول الاول للحزب في المغرب الشرقي، فكانت المراقبة تسدعيه يوميا لانه هو المسؤول على النشاط السياسي في كامل المغرب الشرقي. قبل نفيه الى الصحراء عمل على تكوين مراسلين جدد للعلم لكي تكون الجريدة متصلة بمجريات الاحداث في بني يزناسن .
من اساليب الفرنسيين للقضاء على الاستقلاليين اليزناسنيين الاعتقال والتشريد والنفي، فكثيرا من رموز البطولة والجهاد والشجاعة نفوا الى الصحراء. لي الشرف ان اذكر بعض هؤلاء الابطال الذين كتبوا اسمهم في تاريخ بني يزناسن من حروف من ذهب، هؤلاء الوطنيون هم: قدور الورطاسي، الحسن شاطراللذان نفوا في 17 غشت 1952م، عبد الكريم بن الحاج التهامي البرحيلي، عمرو بن الحسين الوكوتي، بوزيان الخالدي، الحاج بنعامر بن الحاج لخضر الهواري، الحاج احمد شاطر، الحسن بن محمد بن الحاج الوكوتي، عبد السلام بن محمد بن بولنوار لهبيل، السيد احمد بن محمد بن معزوز المنقوشي الكعواشي ومحمد بن يحيى البصراوي الحاجي. ومكثوا في نفيهم الى يوم الخميس 13 يوليوز 1955م حيث اطلقوا شريطة عدم دخولهم الى المغرب الشرقي.
بينما الاستقلاليون مبعدون في الصحراء وفي يوم 17 غشت 1953م وقعت مظاهرة حاشدة في ابركان إحتجاجا على خلع محمد الخامس وتنصيب محمد بن عرفة سلطانا للبلاد، شارك في هذه المظاهرة نحو 40 الف من المتظاهرين الذين جاءوا من كل حدب وصوب، وقد كان بعضهم مسلحين ومرابطين بضواحي المدينة استعدادا للوقت المناسب لاستعمال السلاح. ارتاع ابوير الذي كان على رأس المراقبة بالنيابة عن رامونة الذي كان في عطلته السنوية، فرمى بنفسه وسط المتظاهرين وبدا يهتف “عاش محمد الخامس، عاش الاستقلال، عاش المغرب، عاش بنو يزناسن ثم قال: “انكم ابطال يا بني يزناسن”، وكان ابوير يتلقى الاوامر باستخدام السلاح ولكنه كان يرفض، والغريب في الامر ان برونيل رغم حقده على بني يزناسن لم يستطع ان يتحدى المراقب ابوير. ضاعف برونيل القوة العسكرية من دبابات ومتصفحات خوفا من اي عمل فدائي من جهة الاستقلاليين لكن لم يستعمل السلاح في هذه المظاهرة. وبعد ذلك مباشرة اعتقل كثيرا من اليزناسنيين الذين كان يقدر عددهم بحوالي اربعة آلاف وسبعمائة استقلالي. وايضا بدا الكفاح المسلح ياخذ مجراه وظهر الفدائيون في الميدان وبدا رصاصهم يعمل عمله الذي سيؤدي لا محالة الى المضي قدما لتحرير البلاد. هذه المظاهرة برهنت ان بني يزناسن ابطالا لاينسى التاريخ ابدا بطولاتهم وكفاحهم ضد الطغيان على مر العصور.
الكفاح المسلح ببني يزناسن
بعد الاعتقالات السياسية التي طالت الوطنيين الاستقلاليين والزج بهم في غيابات السجون. بدأت مرحلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الفرنسي فى بني يزناسن، وبدأ ما يعرف فى التاريخ بحركة الفدائيين التى تصدت لها قوات الاحتلال بالرصاص. ولقد قام الفدائيون بعمليات واسعة النطاق والتي كانت ضد الخونة (المغاربة المتعاونين مع الاستعمار) والمعمرين والجنود الفرنسيين. ولايفوتني ان أذكر بعض الاحداث الفدائية التي وقعت في بني يزناسن اعوام 1954م و 1956م.
ــ ليلة الثلاثاء 15 ــ 6 ــ 1954م أحرقت بعض المحاصيل بمزرعة المعمر طايلور بجراوة
ــ ليلة الاثنين 28 ــ 6 ــ 1954م فجرت قنبلتان على دورية من المخازنية ببركان
ــ ليلة الاثنين 5 ــ 7 ــ 1954م شب حريق هائل بمزرعة مورلو بعين الركادة
ــ ليلة الجمعة 3 ــ 9 ــ 1954م أحرق ألف قنطار من الحبوب بمزرعة سپايزر بطريق أحفير
ــ ليلة الاربعاء 27 ــ 10 ــ 1954م شب حريق بمزرعة سپايزر بين بركان والسعيدية
ــ في ليلة الخميس 19 ــ 5 ــ 1955م وقع الدعر بالمقهى الملكي ببركان حيث قتل فرنسي وأصيب إثنان بالرصاص، منهم الشاب محمد بن مولاي حماد
ــ في أواخر ماي 1955م اقتلعت عدة أشجار من الليمون والعنب بثلاث مزارع للمعمرين بسهل تريفة
ــ مساء الاحد 19 ــ 6 ــ 1955م رصد أحد الفدائيين مراقب تافوغالت لوبو الذي كان عائدا من بركان في سيارته، فأطلق عليه رصاص رشاشته فجرحه في فخذيه
ــ ايام الاحد والاثنين والثلاثاء فاتح الى 3 اكتوبر 1955م إشتبكت طلائع جيش التحرير بالقوات الفرنسية بمنطقة بركان وتافوغالت
ــ عشية الثلاثاء 10 ــ 10 ــ 1955م قتل فرنسيان قرب نهر ملوية
ــ مساء الخميس 3 ــ 11 ــ 1955م جرح الدكتور الاسباني نافارو بطلقات رشاشة في سيارته مع عائلته بين بركان والسعيدية
ــ من اكتوبر 1955 الى صيف 1956م طافت طوائف بالبوادي فبثت الرعب في نفوس المعمرين بقطع الخطوط الهاتفية وافساد الاجهزة والمحاصيل الزراعية واخذ الاموال وقطعان الانعام والمواشي، واغتيال المغاربة المعاملين في الادارة الفرنسية أو المتعاونين معها.