24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
لماذا يمنع النظام العسكري الجزائري المسيرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني؟
دعا حزب “حركة مجتمع السلم” المحسوب على “المعارضة”، أول أمس السبت، خلال مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة داخل أروقة “المجلس الشعبي الوطني”، الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري، السلطات الجزائرية إلى فتح الفضاءات العامة للجزائريين للتعبير عن دعمهم لفلسطين.
وقال أحمد صادف، رئيس المجموعة البرلمانية للحزب في البرلمان، إنه “حينما تعيش في بلد يكافح التطبيع ويؤيد فلسطين كالجزائر فإنك تشعر بالفخر كجزائري، لكن موقف الجزائر بحاجة إلى تحيين دوري تبعا لتطور الأحداث، ولا نكتفي ببيان هنا أو هناك”، وزاد: “نفخر أن ننتمي للمؤيدين للمقاومة الفلسطينية سلطة وشعبا، غير أن المطلوب في إطار هذا التحيين الدوري هو فتح الفضاءات العامة للشعب للتعبير عن موقفه”.
كلمة البرلماني والمسؤول الحزبي الجزائري لم تخل من إقحام لاسم المملكة المغربية، إذ أضاف وبلغة لا تخلو من حسرة: “أنا يغيرني أن أرى بلدا مُطبعا أمام الجميع مثل المغرب يخرج شعبه إلى الشوارع في مسيرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني”، متسائلا: “كيف للجزائر أن يكون موقفها الرسمي قويا وداعما لفلسطين بينما يُمنع شعبها من التعبير عن موقفه؟”.
وبينما خرج مواطنو عدد من الدول العربية والغربية في مسيرات تضامنية دعما لفلسطين وتنديدا بالعمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، بدا الشارع الجزائري ظاهريا وكأنه غير معني بهذا الأمر، بقرار من النظام الجزائري نفسه الذي منع كل التظاهرات والوقفات الاحتجاجية في الفضاءات العمومية، ليقتصر بذلك التضامن الشعبي في الجزائر على وقفات رمزية بحضور جماهيري ضعيف جدا في القرى والمدن وأمام مقرات بعض الأحزاب السياسية أو داخل القاعات المغلقة.
وفي وقت دعت المعارضة الجزائرية إلى السماح للشعب بالتعبير عن مواقفه، اكتفت أحزاب أخرى من داخل الأغلبية الحكومية برمي الورود اللفظية على المقاومة الفلسطينية دون أن يخلو خطابها هي الأخرى من إقحام لاسم المغرب ودول أخرى، في محاولة لخلط الأوراق وتبرير قرار السلطات الجزائرية.
في هذا الصدد، قال عبد القادر بن قرينة، زعيم “حركة البناء الوطني”: “إن وطننا مستهدف، إذ تشكل حلف صهيوني على حدودنا الغربية في المغرب الذي يتربص ويتآمر على الجيش الوطني الشعبي بتحالف مع الكيان الصهيوني وبتمويل نظام وظيفي خليجي”، في إشارة إلى التحالف المغربي- الإسرائيلي- الإماراتي، وهو ما فُهم منه أنه إيحاء سياسي إلى “إمكانية حدوث اختراق أجنبي وتهديد للأمن القومي الجزائري في حال الترخيص للتظاهرات والوقفات المؤيدة لفلسطين”.
سقوط قناع وغباء سياسي
وليد كبير، معارض جزائري، قال إن “حزب حركة مجتمع السلم يتساءل عن أسباب منع النظام الجزائري المظاهرات في الشوارع وكأنه لا يعرف طبيعة هذا النظام، وسياساته المُبطنة التي ترفع شعار الوفاء للقضية الفلسطينية”، مشيرا إلى أن “النظام لا يسمح بخروج الجزائريين إلى الفضاءات العمومية لأنه متوجس من عودة الشعارات السياسية المناوئة له وإعادة إحياء الحراك السياسي ضده”.
وأضاف كبير أن “دعوة الحزب المعارض شكلا والمنخرط في لعبة نظام العسكر مضمونا تؤكد أن القناع سقط عن هذا النظام الذي يسخر إعلامه العمومي والخاص لمهاجمة المغرب ومواقفه السيادية بشكل يومي في وقت هو نفسه يمنع شعبه من التعبير عن آرائه، بينما تخرج مسيرات كبيرة في الرباط وغيرها من المدن تضامنا مع فلسطين وبحماية من السلطات المغربية”.
ولفت المتحدث عينه في تصريح لهسبريس إلى أن “خروج المغاربة إلى الشوارع دليل على أن الشعب المغربي له كلمته ويستطيع أن يعبر عن مواقفه بكل حرية عكس الشعب الجزائري الذي لا يملك أي هامش للتعليق على السياسة الخارجية لبلاده أو انتقادها، تحت طائلة العقاب”، مسجلا في الوقت ذاته أن “الموقف الرسمي الجزائري نفسه حيال قضية فلسطين لا يرقى إلى تطلعات الشعب الجزائري، وهو خذلان وخزي وعار يرقى إلى درجة الغباء السياسي”.
وخلص كبير إل أن “النظام الجزائري لو كان يملك قليلا من الذكاء والدهاء السياسيين لسمح لشعبه بالخروج إلى الشوارع، وبالتالي أن يحصل إثر ذلك على ورقة يُشهرها في وجه القوى الغربية الكبرى التي تضغط على الدول العربية في الملف الفلسطيني”، مشيرا إلى أن “الجزائر بهكذا مواقف وكأنها تقول لإسرائيل إنها لا تعير أي اهتمام لما يقوله الشعب الجزائري”.
دعاية سياسية وافتقاد للشرعية
من جهته، أورد محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والإستراتيجية، أن “دعوة الحزب الجزائري المعارض تشكل تعبيرا عن الفرق الواضح بين الدعاية السياسية والواقع العملي في الجزائر”، موضحا أن “بناء شرعية النظام الجزائري على أساس تأييد الحق الفلسطيني ما هو إلا مجرد شعار تبنته الجزائر في إطار خلافها مع المغرب الذي استأنف علاقاته الدبلوماسية مع دولة إسرائيل”.
وأشار العروسي في تصريح لهسبريس إلى أن “الواقعية السياسية المغربية والمسيرات الأخيرة في عدد من المدن المغربية أبانت حقيقة عن هامش الحريات المسموح بها في البلاد، بخلاف الجزائر التي اكتفت بالتنديد في بعض البيانات”، مشددا على أن “ألاعيب النظام الجزائري انفضحت مرة أخرى، على أساس أن أغنية التضامن مع فلسطين ما هي إلا كلمات فارغة المحتوى يرددها النظام في وقت أزماته، خاصة مع المغرب”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “الموقف الرسمي الجزائري يعاكس تطلعات الشعب الجزائري كغيره من الشعوب العربية المنصهرة في قضايا القضايا العربية”، موضحا أن “منع التظاهرات والاحتجاجات دليل على أن هذا النظام العسكري يفتقد للشرعية والمشروعية، ذلك أنه لو كان الحال عكس ذلك لسمح بذلك على غرار ما فعلته المملكة المغربية”.
“النظام الجزائري بنى شرعيته على أساس سرقة حقوق الشعب الجزائري وقمع الحريات لأنه متيقن أن أي تظاهرة ستتحول إلى مظاهرة ضده ومطالبة بإسقاطه”، يسجل العروسي، وزاد شارحا أن “النظام لا يريد الزج بنفسه في هذا الخندق لأنه يعلم أن الضمير الجمعي الجزائري مثلما يقف مع القضية الفلسطينية فهو يرفض في الوقت نفسه هذا النظام وطريقة إدارته للبلاد، خاصة في ظل الفشل الذي راكمته الجزائر في الآونة الأخيرة في تدبير عدد من الملفات الداخلية والخارجية”.