24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
خواطر فتاة “فراق اضطراري”
من الأمور القاسية جدا فراق بعض الأشخاص، أشخاص مروا بحياتنا لفترة طويلة حتى صار وجودهم مهما، وآخرون مروا مرور الكرام، إلا أننا أدمناهم.. ما عادت شمس صباحنا تشرق من غير ابتسامتهم الصباحية، ما عاد النسيم عليلا دون نسمة هواهم الزكية، ما عاد الطقس جميلا دون أن تبرق أعينهم وترعد ضحكاتهم الشقية..
إحساس مزج بين الواقع والمَزاج، بين الدموع وفرحة الإحساس.. حين نودعهم فنرى الحزن يملأ العيون، حين لا يستطيعون رفع أعينهم محاولين إخفاء حزنهم.. بعد أن لم نكن نتوقع ردود الفعل تلك، فلا ندري ما إن كان علينا البكاء حزنا على الفراق، أو فرحا للإحساس بمحبتهم في آخر لحظة، نتمنى لو بإمكاننا الاستمرار معهم يوما إضافيا بعد أن توصلنا بعربون المحبة.
هكذا كانت قصتي مع بعض من التقيت بهم لمدة قصيرة، أقصرهم كانت خمسة عشر يوما، أمضيت معهم أوقاتا استمتعت بكل دقيقة منها، ولو أني أكره المراجعة والحصص والدروس، إلا أني كنت أذهب وأنا على أتم الاستعداد لبدء حصتي اليومية، وبمجرد انتهاء الحصة، أتمنى لو كان بإمكاني دفع مبلغ مضاعف من أجل الاستمرار في حصصي الممتعة، لم تكن الحصة بل الأشخاص الذين التقيت بهم فيها.. ابتسامتهم، نظراتهم التي يملؤها الاحترام، مزاحهم الأخلاقي… مرت الأيام بسرعة البرق لأجد نفسي مجبرة على نطق “الوداع” لأن لا فرصة قد نلتقي فيها مجددا، ولن يكون بإمكاننا العودة إلى مقر اللقاء مرة أخرى، اضطررت لخفض رأسي وسط نظراتهم الباسمة التي تحاول أن تربت على كتفي، وابتعد كل منا خطوة عن الآخر، كل ما كان بإمكاننا نطقه هي بعض الكلمات التي تحاول إيصال رسالة “سأشتاق إليكم”، رحلوا وظلت ذكرياتهم الحلوة بذاكرتي الصغيرة، رحلوا ولم أكن راضية عن الرحيل.. لكني مجبرة، فظروف لقاءنا كانت واضحة منذ البداية، ومنذ ابْتَدَأَتْ وهي في العد التنازلي…
في مدة أطول من السابقة، كنت مع أشخاص مختلفين تماما، ميدان عمل جديد بحياتي، أحببته.. أحببته لأنه جمعني بهم، غيروا حياتي للأفضل، جعلوا مني الفتاة الباسمة طول اليوم، حتى تميزت بينهم بابتسامتي، لم يدر أحدهم أنهم السبب فيها.. أن أيديهم الطيبة هي من رسمتها بإتقان منقطع النظير، وأحسنت إثباتها على محياي الشاحب، تمنيت لو أن ساعات العمل تطول قليلا، فكل هنيهة ّأنظر فيها إليهم أحس أني أفضل حالا، مرت أيام.. أسابيع.. أشهر.. قست الظروف علينا، شغلتهم عني، وشغلتني عنهم.. صارت أيامي مملة، ليتني لم أتعود على وجودهم، وليتهم غابوا عني فقط، بل الأسوء أن غيرهم احتل المكان.. لم أتقبل الوضع، وما ذقت الراحة مع الوجه الجديد.. لكني صبرت، كنت أقعد على كرسيي لا يشغلني شاغل غير عداد الوقت… فإما أن أعد الساعات وهي تمر كالسنين في انتظار العودة للبيت، وإما أن أبدأ بالعد التنازلي في انتظار قدومهم، أيام قليلة.. وما عاد لوجودهم أي طعم، فوجود غيرهم كان يعكر صفو ابتسامتنا.. يخط خطوط سوداء على نقاء العلاقة التي جمعتنا.. سئموا، وسئمت.. هم صبروا لأن لهم ما يشغلهم.. وأنا رحلت للبحث عما يشغلني أيضا، لم أكن أنو الرحيل.. لكني اضطررت..
بنفس الإحساس ونفس المحبة كنت أحب غرفتي المرعبة التي ولدت فيها.. لا أنكر أنها كانت مرعبة لكن لا علاقة لذلك بحبي لها، فجدرانها من آوتني يوم ولدت وهي الشاهدة على أول صرخة صرخت يوم خرجت لذي الدنيا القاسية، بالرغم من أني قليلا ما كنت أغفوا من شدة خوفي من الأصوات التي تتخيلها أذناي، إلا أني أحبها، مجنونة أنا، فحتى إحدى الخدوش التي كانت في الحائط كانت تخيفني وأتخيلها أشياء غريبة لا معنى لها.. هي لا معنى لها الآن، لكنها كانت ذات معان كثيرة آنذاك.. كانت جنيا إن نام الجميع ستتحرك لتؤذيني.. كانت كلمة خطت بيد مجهول سيأتي لقتلي بعد أن يغفوا الآخرون.. صدقا لست أنا المضحكة، بل البيت هو من كان كبيرا وعلى شارع لا ينام أهله ولا تنتهي أصواته.. بغض النظر عن واقع الشارع الذي لا يكف عن بث أحداث المطاردات ومحاولات القتل والسرقة.. وأنا التي لا تنام لتشهد على صراخ الضحايا..، وهذه المرة لم تنته المدة، ولم أمل من هذا وأرحل، فقد كان حبي للبيت أقوى من خوفي.. لكنهم أجبروني على مغادرته وتغييره بمنزل مريح وهادئ.. بصراحة.. لو خيروني بينهما لاخترت العيش في الرعب… “حين تكون مجبرا على فراق ما تحب مرات متتالية، فإنك تتعلم ألا تحزن على شيء لأنك مفارقه لا محالة”.
bon courage
tahyati
tahyati lanisa fra9