24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
النظام الجزائري صار أبكما والعسكر يفرضون سيناريو المادة 102 التي يرفضها الشعب
إلى وقت غير بعيد، كان رجالات النظام يتسابقون نحو البلاطوهات التلفزيونية وقاعات التحرير للحديث باسم السلطة، بغرض شرح أو إعلان مخططاتها، لكن بعد واقعة 22 فبراير، توارى الجميع عن الأنظار وارتكنوا إلى زوايا متخفية وبقي النظام مجردًا من المتحدثين باسمه، فهل صار أبكمًا؟
يشتد الخناق والضغط على المحيط الرئاسي، يومًا بعد آخر، أمام موجة غضب غير مسبوقة يُواجهها النظام السياسي منذ قدوم بوتفليقة إلى الحكم أفريل 1999، ولا تجد السلطة من يُدافع عن خياراتها، بعدما دفن الشارع المنتفض كل السيناريوهات المقترحة.
الدعم المزيف
ولم يتوقع أحد أن يُواجه بوتفليقة مصيرًا مشابهًا كالذي يحصل معه هاته الأيام، ليس بسبب الحراك الشعبي الذي عبّر عن طموحاته ومطالبه المشروعة في التغيير بطرق حضارية وسلمية، وإنما بسبب انقلاب مواقف أشد مسانديه وداعميه الذين غيّروا “جلدهم” من الموالاة و”الشيتة” المفرطة إلى المعارضة الراديكالية وشعارهم المرفوع “الدينا مع الواقف”.
واستطاع حراك الشارع أن يُعري “نفاق” أحزاب السلطة المستفيدة من الريع على مدار العشريتين الماضيين، بمسارعة شخصيات روجت لنفسها على أنها قريبة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لسحب دعمها له بعدما وقفت وراءه في عهداته السابقة، ورشّحته بقوة لعهدة خامسة.
ومن هذه الشخصيات الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، الذي لطالما افتخر بأنه ابن “السيستام” الوفي المستعد للتضحية من أجله في كل الحالات، وكذلك منسق حزب جبهة التحرير الوطني معاذ بوشارب، أو “الفتى الذهبي” الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها، رئيسًا للمجلس الشعبي الوطني، وزعيمًا لأكبر حزب في الجزائر من القاعدة الجماهيرية، والأكيد أنه ما كان ليظفر بهاذين المنصبين لو لا بوتفليقة أو محيطه الذي يحكم باسمه عقب إصابته بوعكة صحية عام 2013، وفق المعارضة.
الحراك والعسكر
أمام هذا الوضع وتزايد الرفض الشعبي لكل ما هو صادر عن النظام، أعلن قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، هو الآخر تخليه عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من خلال دعوته إلى رحيل بوتفليقة تحت غطاء المادة 102 التي تنص على استقالة الرئيس أو تنحيته بسبب عجزه عن أداء مهامه.
وعُد هذا الموقف تحولًا كبيراً في مواقف الفريق قايد صالح الذي وصل قيادة أركان الجيش عام 2004، وكان يُوصف بأنه أحد المقربين من بوتفليقة الذي رافقه في جزء هام من مسيرته، غير أن مقترحه لم يقنع الجزائريين عقب استفتاء شعبي نظمه الملايين في الجمعة السادسة وتم التصويت على نص المادة 102 بـ”لا”، الأكثر من ذلك دعا بعض المتظاهرين إلى رحيل قايد صالح هو الآخر، لأنه جزء من منظومة الحكم.
إلا أن قايد صالح وكإلتفاف على مطالب الشعب قاد يوم السبت 30 مارس ، اجتماعا بمقر أركان الجيش الوطني الشعبي، ضم كل من قادة القوات، قائد الناحية العسكرية الأولى والأمين العام لوزارة الدفاع الوطني وفي كذبة جديدة أكد أن غالبية الشعب الجزائري قد رحب من خلال المسيرات السلمية، باقتراح الجيش الوطني الشعبي، إلا أن بعض الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب ويبدو أن قايد يخطط لسيطرة على الوضع وتطبيق ما يخدمه وقد أكد الشعب أن “ المادة 102فخ كبير” وحذر من “تصديق أن وجوه الماضي ستتبنى آمال المستقبل”.
نصف حل
يدفع النظام حاليًا بورقة الرئيس السابق، اليامين زروال لقيادة المرحلة الانتقالية، في خطوة لامتصاص غضب الشارع، وهو الحل الذي انقسم حوله الشارع بين داعم لتولي زروال زمام السلطة مجددًا، ورافض لذلك بداعي أنه لم يُعد بوسعه القيام بأي دور سياسي، أولًا بسبب سنه المتقدم وثانيًا لالتزامه الصمت حيال الخروقات الدستورية التي وقعت طيلة السنوات الماضية.
ويعتقد عدد كبير من الجزائريين أنه كان بإمكان بوتفليقة أن ينسحب من الحكم عقب إصابته بوعكة صحية عام 2013 ولما لا بعد انقضاء عهدته الثانية، بشكل يسمح له بخروج مشرف من السلطة، تمهيدًا لانتخاب رئيس جديد، لكن هذا السيناريو لم يحصل بقراره التشبث في السلطة من طريق تعديل الدستور عام 2008 وفتح العهدات بشكل يسمح له بالترشح لعهدة ثالثة ورابعة وخامسة إعترضها طوفان شعبي خرج بالملايين للقول بأعلى صوته “ياريس باصتا”.
وعليه، يُصمم المتظاهرون على رحيل جماعي للنظام أو من يسمونهم بـ “أفراد العصابة”، لأن ما وقع في السنوات الماضية “ظلم” و “حقرة” لشعب صبر على منظومة حكم هضمت حقوقه، وخروجه للشارع بالملايين جاء ليقدم درسا لكل من يريد أن يحكم الجزائر خارج الإرادة الشعبية التي تعتبر أساس كل السلطات.