24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
الرجل القوي في الجزائر الشنقريحة يدجن قيادة «البوليساريو»
لم يكن إبراهيم غالي يحسب أن كل ما خطط له من تغييرات في قيادة الرابوني ستنقلب عليه، ويجد نفسه في مواجهة من صنعوه ورفاقه، فعسكر الجزائر لا يبدي ارتياحا لما حاول غالي تمريره من تغييرات في صفوف القيادة، معتقدا أن انشغال الجنرالات بتمرير الانتخابات المفروضة على الجزائريين وإخماد الحراك الشعبي، سيترك له اليد الطولى ليضعهم أمام الأمر الواقع.
مخطط غالي، الذي انهار على رأسه، بدأ قبل مسرحية المؤتمر، فالرجل بعدما أعطيت تعليمات المرحوم القايد صلاح بإعادة تعيينه على رأس «بوليساريو»، أخذ كل ضغائنه معه نحو تفاريتي وعبأ كل مهاراته الخبيثة من أجل تصفية حساباته، والانتقام من خصومه.
فقد التزم غالي الصمت لمدة طويلة بعد المؤتمر، حتى توالت الأسئلة عما يقبع وراء تأخره في إخراج تشكيلته، قبل أن يبين إعلان أسمائها أنها تمثل مطامح إبراهيم غالي الخاصة.
ومع انكشاف هذه المطامح، بدأت التصدعات والانشقاقات تطفو على السطح، فيما يبدو أنه سقوط مدو لغالي، الذي لم يفلح في إقناع الفرقاء حول كيفية تقسيمه لكعكة المناصب، خصوصا أن العنترية التي حاول أن يظهر بها لا تتلاءم ووضعه المتأزم الناتج عن عدم قدرته على تدبير الأزمات الداخلية والخارجية التي حاصرته تباعا، ما جعل رفاقه يستقوون عليه، بعدما لاحظوا وقوعه في المحظور مع جنرلات سيدي موسى، من خلال قيامه بإبعاد عبد الله الحبيب البلال من «وزارة الدفاع»، معتقدا أن الإبقاء على هيمنة المد الشرقي (الرقيبات الشرق)، الذي تربى في كنف العسكر الجزائري على حكومة «بوليساريو» سيكون كافيا لإرضاء اللواء الشنقريحة ومعاونيه، مهما كانت المتغيرات في صف قيادة الجبهة.
كذلك احتفظ إبراهيم غالي، الذي يعي أن استقواء رفاقه عليه ناتج عن عدم توفره على أي حظوة لدى الجيش الجزائري، لنفسه في تشكيلته الحكومية بمنصب وزير الدفاع، حتى يحظى بشرف تلقي التعليمات مباشرة من قيادة الجيش الجزائري، وبالتالي التوفر على قناة اتصال مباشرة مع العاصمة، والدخول في منافسة نده عبد القادر الطالب عمر الذي تجمعه علاقات حميمية مع اللواء الشنقريحة، منذ أيام الليالي الملاح على جوانب مخيمات المنكوبين الصحراويين، حيث كان اللواء قائدا لتلك المنطقة العسكرية.
الشنقريحة الذي اعتاد الإدارة الدقيقة لأمور الجبهة منذ ولادتها بتندوف فطن أن تشكيلة غالي تحمل انتقاما مبطنا من رجالاته ومحاولة لاستئصال تيار عبد القادر الطالب عمر (قبيلة أولاد دليم)، الذي أصبح يسوق لنفسه رجل الجزائر القادم على رأس «بوليساريو» وهو طموح ظهر جليا من خلال مطالبته في المؤتمر الأخير بتعديل قانون الانتخابات وإلغاء شرط التجربة العسكرية من قائمة شروط الترشح لأمانة جبهة «بوليساريو»، من خلال إسناد مناصب ملغومة لابني عمومته الطالب عمر السالك بابا وعمر منصور، وهي تباعا النقل والتعليم، من أجل توريطهما في تدبير ملفين معروفين بكثرة مشاكلهما وتماسهما المباشر مع سكان المخيم، ما يعني سقوط أسهم شعبيتهما، وبالتالي الترتيب لاحقا لإزاحتهما أو تغييرهما، تحت مبرر فشلهما في تدبير قطاعيهما الفاشلين أصلا.
اللواء الشنقريحة الذي يتذكر جيدا انتفاضة أولاد ادليم سنة 1988، إذ كانت له اليد الطولى في قمعها، قرر، بعد خروج صراعات قيادة «بوليساريو» إلى العلن، حين لم تنفع التدخلات القبلية في إقناع عبد الله لحبيب البلال بتسلم مهامه الجديدة على رأس الأمن، أرسل فريقا من صفوة استخبارات الجزائر من أجل ترتيب بيت «بوليساريو» الداخلي الذي بدأت رياح الصراعات تعصف به، إذ تم استدعاء غالي وزبانيته لقاعدة حداد العسكرية أين عكفت لمدة 4 أيام على إعادة الأمور الى نصابها، وأشرفت على تعيين الفريق الدبلوماسي لـ «بوليساريو»، بعدما تعالت شكاوى محمد سالم ولد السالك حول أطماع إبراهيم غالي في توزيع المناصب على مناصريه.
خطوات إبراهيم غالي أتت إذا بنتائج عكسية ووضعته على فوهة بركان، إذ لم يعد من المستبعد إعلانه عن تنازلات لخصومه، بعد يقينه أن الشنقريحة لن يتخلى عن ولد البلال والطالب عمر، إرضاء لعنتريات غالي الجوفاء.
ولا شك أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالأحداث داخل المخيمات وخارجها، في ظل المخاضات التي تعيشها هياكل «بوليساريو» منذ أسابيع، والشاهدة على أن القيادة بالرابوني باتت تعيش أحلك أيامها، بعد انفضاح تغليب أعضائها لنزاعاتهم القبلية ومصالحهم أمام سكان المخيمات بتندوف.