24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
تطاحن متواصل في صفوف قيادة ”بوليساريو” واحتجاجات شعبية تتناسل
كل الأخبار الواردة من مخيم الرابوني، جنوب غرب الجزائر، تُفيد بأن التطاحن وصل أشده بين أعضاء قيادة جبهة “بوليساريو” الذين باتوا كالإخوة الأعداء، يَحسبون أنفسهم أصحاب قضية، وهم في واقع الحال قراصنة لا يجمعهم إلا منطق الغنيمة والنزوع نحو التحكم في مَصير سكان وُجدوا قسرا في سجن كبير يسمى “مخيمات تندوف”.
تقابل هذا التطاحن في صفوف القيادة احتجاجات شعبية تتزايد ككرة ثلج، لتأتي على ما تبقى من تنظيم الجبهة المتآكل، وهو الذي لا يقوى على تجاوز جموده المزمن منذ 1991.
ورغم تتابع الخيبات وضيق أفق التنظيم، لا تزال “بوليساريو” مصرة على المُضي قدما في طريق الخطأ، لا يهمها أن يكون وقود معاركها المئات من الأبرياء الذين يدفعون من معيشهم اليومي ثمن الانتظار القاتل دون تقدم يذكر، في صورة تعكس أبشع استغلال للبشر من قبل الجزائر وصنيعتها “بوليساريو”.
على رحاب تندوف، توزع قيادة “بوليساريو” ريع المساعدات الإنسانية بدلاً من منحها لمستحقيها للتخفيف من معاناتهم، وتتطاحن على مناصب ونفوذ في دولة وهمية صدقوا وجودها، وهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن من صنعوها على حين غفلة من جنرلات الجزائر، لم يفعلوا ذلك إلا لحاجة في أنفسهم.
إلا أن القاعدة تقول إن “ما بني على باطل فهو باطل”. فلا شرعية لمن ينتزع إرادة الناس قسرا، ويسعى أن يبيع لهم وهما، ليجد مسوغا يلبي به نزوعاته التحكمية، وينفذ الإملاءات القادمة من عرابيه، غير آبه بالنتائج والمُحصلات مهما كانت عنيفة. لا يهم قيادة هذه الحركة سوى مراكمة الثروات ولا شيء غيرها، وبكل الطرق أيضا مشروعة أو غير مشروعة، معروفة المصدر أو مجهولته.
إن بحبوحة العيش التي اعتادوها، من فنادق فخمة وسفر في درجة الأعمال، جعلت من القيادة مجموعة طواغيت صغار، رضعوا الطغيان من ثدي جنرلات الجزائر ولم يعلنوا الفطام .بل دفعهم طغيانهم إلى التحالف مع الجماعات الجهادية ومافيا تهريب المخدرات والجريمة المنظمة، وتزعمت أذرعهم الأمنية كبريات التنظيمات والجماعات في منطقة الساحل، وزودوها بالبشر والسلاح بغطاء مباشر من عسكر الجزائر .
فمحاكمة الجنرال حسام، المدير السابق لفرع مكافحة الإرهاب في الجزائر، واللواء عبد القادر أيت واعراب، ذراع الجنرال توفيق منتصف 2016، كشفت عن تعاملات مشبوهة مع نقاط تجنيد وعبور على الحدود مع موريتانيا. كما أن عددا من المجندين تم نقلهم إلى مالي عبر المنطقة العازلة، التي تنشط بها جبهة “بوليساريو” وعناصرها العسكرية. وهو الأمر الذي يحيل إلى أن “بوليساريو” لم تعد مجرد أداة جيوسياسية في المنطقة، بل التحقت بشبكات الجريمة المنظمة التي تلعب أدوارها بالوكالة عمن أوجدها.
إن ما يطيل عمر “بوليساريو” ليست صلابة قواعدها الإيديولوجية ولا حتى اعتمادها على قوة القانون الدولي كما تحب أن تسوق عن نفسها، بل هو مدى حاجة الجنرلات لها كيانا يخدم أهدافهم في المنطقة.
هؤلاء الجنرلات يضمنون لـ “بوليساريو” الاستمرارية، وهم في المقابل يضعون تحت تصرفهم سكان المخيمات، يستغلونهم لاستدرار مزيد من الدعم الإنساني الذي ينتهي غنيمة في الأسواق السوداء بدول الجوار، ولا ينال سكان المخيمات إلا الترهيب والقمع والمزيد من متاريس درك الجزائر التي تطوق المخيمات منذ نشأتها.
لا يتوقف التنافس بين قيادات ما بعد 1988 مع من كانوا قبلها على منابع السلطة والقرب من الجزائر.
لكن ذلك كله لا يخرج عن نطاق تحكم الجزائر، التي تبقى حريصة على ألا يحيد أحدهم عن الصف، أو يستقوي بأحد على زملائه دون الجزائر. فالقيادة تسافر على متن طيران الجزائر وبجوازات سفرها، وتلك امتيازات تَمنحها لغالي وأصحابه لتضمن بها ارتباطهم وولاءهم.
تقدم الجزائر و”بوليساريو” للصحراويين التشرد والقهر والذل والسجون والقمع والتجويع، فيما يستمر المغرب في مراكمة انتصاراته التي تقابلها انكسارات ابراهيم غالي وأصحابه. ومع استمرار القمع والتنازع بين أعضاء القيادة، تتعالى احتجاجات الصحراويين الذين اكتشف جلهم، ولو متأخرا، أنهم باتوا ضحية كذبة كبرى توفرت كل الشروط لفضحها.