24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
القنصل المغربي لم يُخطئ…والنظام الجزائري يعيش“سيكولوجية المقامر”
الجزائر دولة عدوة بالحجج الدامغة، والقنصل المغربي في وهران لم يخطئ في التوصيف، وإنما ارتكب خطأ مهنيا في المكان الذي أعلن فيه عن هذا التوصيف الصحيح، فقد كان عليه اختيار مجموعة ممثلة للمغاربة الذين وقفوا أمام القنصلية ومخاطبتها داخل القنصلية وليس خارجها، والجزائر دولة عدوة لأنها زرعت جاسوسا بين مغاربة يخاطبون قنصلهم حول شأن مغربي -مغربي، ونقلت فيديو مسجل بسرعة ووزعته على القنوات والمواقع الإعلامية الجزائرية لخلق أزمة مغربية -جزائرية حول تصريح يتضمن توصيفا صحيحا لطبيعة العلاقات بين دولتين جارتين في شمال إفريقيا لاتخفى على المجتمع الدولي منذ استقلال الجزائر الى اليوم.
ويبدو العداء واضحا في طريقة صياغة صبري بوقادوم وزير الخارجية الجزائرية للبيان الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية بسرعة، حيث ضمن فيه جملا عدائية لاعلاقة لها بالدبلوماسية، فالإشارة إلى استدعاء السفير ووضع عبارة أنه “تمت مواجهته بالأقوال التي صدرت عن القنصل“ ليست عبارة عادية فهي تخلق الاعتقاد بوجود محاكمة ،وهذا خطأ دبلوماسي جزائري في توصيف اللقاء بدبلوماسي من حجم سفير يعبر في حد ذاته عن العداء الذي تُكنه الخارجية الجزائرية للسفارة المغربية ،فالمغرب وفي لحظة الأزمة الناتجة عن التصريح الخطير للوزير الجزائري السابق عبدالقادر مساهل في سنة 2017 استدعى السفير الجزائري بالرباط ،واستعمل عبارة تم إبلاغ السفير الجزائري وليس عبارة “تمت مواجهته “،رغم أن خطأ مساهل أنداك كان يجب أن يترتب عليه رفع دعاوى قضائية دولية ضده وضد الجزائر لكونه يسيء للمغرب ولشركة طيرانه ولمنظمة الطيران المدني ولقادة أفارقة نسب لهم شيئا لم يقولوا به.
ماتقوم به الجزائر ضد المغرب أكثر من عداء إنه حرب عدوانية
تدل أمثلة عديدة مستمدة من العقود الماضية أن العداء للمغرب خاصية نفسية وإيديولوجية لحكام الجزائر الذين يعبرون في كل المناسبات عن هذا العداء ،فـ”المغرب العدو” حاضر في رئاسة الجمهورية وثكنات الجيش والبرلمان والإعلام الرسمي، وفي فترة عبد المجيد تبون وحدها لم يعد الأمر يتعلق بعداء للمغرب وإنما إعلان حرب عدوانية بكل ما يحمل هذا المفهوم من خطورة في خرق القواعد الضابطة للقانون الدولي، فعبد المجيد تبون هاجم المغرب في كل التصريحات الذي أدلى بها منذ ترشحه الى اليوم ، والعداء للمغرب كان جوهر الحملة الانتخابية للرئيس الجزائري الجديد الذي لازال مطعونا في شرعيته، حيث وصف المغرب ب”المحتل “ و”المستعمر” وعمد إلى تزوير الأحداث في لقاءاته مع قناة العربية وقناة روسيا اليوم وحواراته مع الصحفيين الجزائريين أثناء الحملة الإنتخابية، وذلك لما جعل المغرب هو الطارد وليس مغاربة 1975 هم المطرودون لما حملهم نظام بومدين في عربات الجيش ووضعهم على الحدود بعد أن سلبت أموالهم وممتلكاتهم، كما زور في تصريحاته حقائق ضربة أطلس أسني التي أعدت من طرف الجنرال توفيق مدين بتنسيق مع سفارة الجزائر بالرباط في شهر من سنة 1994.
ولم يكتف بهذا بل إنه ويوم تنصيبه رئيسا بحضور جنرالات جزائريين ودبلوماسيين أجانب وصف المغرب ب”المحتل “ وواظب على مسيرة العداء بخطابه أمام الاتحاد الإفريقي ورسائل وزير خارجيته الى الأمم المتحدة بعد مبادرة دول افريقية شقيقة إلى فتح قنصليات بالصحراء المغربية في الداخلة والعيون، وعمد الى سحب سفير الجزائر من ساحل العاج لهذا السبب، فمن بين كل دول العالم احتجت الجزائر وحدها على فتح القنصليات وراسل تبون الأمين العام للأمم المتحدة قبل اجتماع مجلس الأمن في أبريل الماضي لمناقشة ملف الصحراء ليحرض ضد المغرب، واستمر خطابه العدائي في اجتماع دول عدم الانحياز زمن كورونا، ليصل إلى حالة تجعل المتابع لتصريحاته يشك في سلامته العقلية ،ففي وقت كان الجزائريون ينتظرون منه الكشف عن ما يجري بخصوص موضوع انتشار وباء كورونا وفتكه بالجزائريين ،وينتظرون منه رؤية بخصوص الوضع الاقتصادي المتردي نتيجة انهيار أسعار النفط ،يأتي عبد المجيد تبون ليربط في بداية حواره مع صحفيي بلاده بين المديونية والقرار السيادي الجزائري ودعم البوليساريو، حيث جعل من البوليساريو بوعي أو بدون وعي شأنا جزائريا داخليا ووضع معادلة جديدة للحرب العدوانية ضد المغرب لما فرض البوليساريو على المعيش اليومي للجزائريين، فالربط بين عيش المواطن الجزائري وشرط الدفاع عن البوليساريو للاستمرار في العداء للمغرب معادلة نفسية وسياسية غريبة لم تحدث لا عند عيدي لامين دادا حاكم أوغندا في السبعينيات من القرن الماضي ولا عند موغابي حاكم زمبابوي السابق ولا عند بينوشي الشيلي، وإنما حدثت فقط عند عبد المجيد تبون الذي يحكم الجزائر رفقة عشر جنرالات في القرن الواحد والعشرين.
لا أعتقد أن كل هذه الحالات المرتبطة بتصريحات تبون ضد المغرب تشكل غزلا فهي أكبر من العداء، فقد كان على القنصل المغربي أن يستعمل داخل القنصلية المغربية بوهران في توصيفه لوضع العلاقات المغربية الجزائرية مفهوم الحرب العدوانية، فالنظام الجزائري بسلوكاته ليس عدوا وإنما نظام يخوض حربا عدوانية ضد المغرب بلغة القانون الدولي ومقتضيات المادة 2 الفقرة الرابعة، والحرب العدوانية واضحة في المناورة التي قام بها الجنرال سعيد شنقريحة نائب قائد أركان الجيش الجزائري منذ أيام في زمن كورونا لما جمع جيشه واستعمل السلاح في تندوف على مقربة من الجدار الأمني المغربي، معيدا إحياء ذكرى شهر مارس 2016 لما جمع جيشه ووصف المغرب بأنه عدو للجزائر وللبوليساريو.
تبون يقسم على القرآن أمام عشر جنرالات ليكون عدوا للمغرب ووحدته الترابية
ولكي نفهم درجة العداء الجزائري للمغرب نورد ما نُقل الجنرال بوعزة واسيني مدير الأمن الداخلي السابق الذي كان داعما للمرشح عزالدين ميهوبي أمام الجنرال القايد صالح لحظة اختيار مرشح لتولي الرئاسة في بداية دجنبر الماضي، فالجنرال واسيني نقل لأحد مقربيه أن عشر جنرالات وضعوا القرآن أمام عبد المجيد تبون وجعلوه يقسم على شرطين ليكون رئيسا للجزائر، أولهما أن تبقى الجزائر دولة عسكرية وثانيهما، أن يستمر العداء للمغرب بإعادة إحياء البوليساريو من جديد والاستمرار في إغلاق الحدود وتحريض الجزائريين على المغرب “العدو”، فعبد المجيد تبون ليس سوى تلميذ الجيش الذي أقسم أمام عشر جنرالات على العداء للمغرب، وما يقوم به الأمر به هو مجرد تنفيذ لأجندته الانتخابية التي تتضمن بندان للتنفيذ أحدهما العداء للمغرب.
وقد شرع تبون في الهجوم على المغرب من زاوية أخرى ،يبدو أنه ورط نفسه فيها، وهي استعمال ورقة الزوايا حيث زار زاوية عين ماض خمسة أيام قبل انتخابه، وكانت له جلسة طويلة مع علي بلعرابي شيخ الزاوية التابعة للطريقة التيجانية، وهو الشيخ نفسه الذي أرسله تبون بعد توليه الحكم مباشرة ليقضي أزيد من شهر في تشاد يدعو فيه لجمع الزوايا بالجزائر ويحرض ضد المغرب في عمل عدواني مشابه لما كان يقوم به بوتفليقة، لكن لا أحد يعرف أن سيصل تبون بمستوى العداء للمغرب مادام قد اختاره عداء ترابيا وروحيا ،فدعم البوليساريو وإعادة بنائه بات واضحا من خلال الوثقية التي أعدت في الجزائر وسلمت لمركز في بروكسيل ولنائبة المانية تعيش في مستغانم في محاولة لنسبها إلى البرلمان الألماني، وهي وثيقة يريد بها تبون وشنقريحة إعادة إحياء البوليساريو بقيادة جديدة بعد اغتيال الجزائر للمسؤول الخارجي للبوليساريو امحمد خداد، فالعداء الروحي معركة أخرى، كان قد بدأها بوتفليقة لما قام بتهريب الجزائريين عن حقل إمارة المؤمنين ليضعهم في حقل التشيع، ولا أحد يعرف أين سيضعهم تبون.
لكن الواضح من خلال هذه المعطيات أن تبون وجنرالاته يحملون اليوم سيكولوجية المقامر، فهم يلعبون جميع الأوراق للبقاء في السلطة، قلقون لا يعرفون كيف سيكون شكل الحراك بعد نهاية الوباء، ويدفعهم القلق والارتباك إلى إنتاج مسودة دستور غريب لا يعطي للجزائر لا نظام برلمانيا ولاارئاسيا ولاشبه رئاسي، وإنما يموه ويغطي عن استمرارية دولة الجيش بغطاء تبون بمادة تتعلق بالجيش ودوره الخارجي لتشتيت الأنظار عن النقاشات حول مطلب الإنتقال من دولة الجيش إلى دولة مدنية ، لذلك فالنظام الجزائري المصاب بسيكولوجية المقامر يلعب كل الأوراق في هذه المرحلة ،لكن ورقة خطأ القنصل المغربي ليست رابحة لأن القنصل لم يخطىء في التوصيف وإنما أخطأ في الشكل والمكان الذي خاطب فيه مواطنون مغاربة،فالعداء ثابث وسيكولوجية المقامر تُرجح فرضية حرب ضد المغرب قد يتورط فيها نظام شنقريحة وتبون إذا شعر أن دولة الجيش تنهار،فالنظام الجزائري الذي يحتج على تصريح صحيح لقنصل المغرب بات نظاما فاقدا للتوزان وعلينا أن نتوقع منه كل المغامرات لكي يحافظ على بقائه.