24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
الجزائر : الرّداءة “تُشيِّتُ” للرّداءة..!؟
من حين إلى آخر، تُتحفنا سُلطتنا الميمونة بمضحكة، نُفرّج بها عن الهمّ والغمّ والاكتئاب، وكلّ الأمراض النّفسية، التّي تزرعها فينا هذه السّلطة وفي الحياة العامة!
ضحكتُ من أعماق قلبي، عندما سمعتُ أنّ من يُسمّون بـنواب الشعب، والذّين جاؤوا إلى البرلمان بخمسة أصوات، وأحسنهم جاء بانتخابات “من حضر “! يُناقشون بيان السّياسة العامة للحكومة، وكأنّ البرلمان فيه نواب، وفيه حكومة عندها سياسة عامة يُمكن أن تُناقش؟! لذلك غرق النّواب في إعادة إنتاج ما جاء، فيما يُسمى، سياسة عامة للحكومة، من قبيل، “الجزائر بدأت الإقلاع الاقتصادي، وأصبحت قوة إقليمية”، “وبدأنا ندخل عصر الرّفاهية”، وما إلى ذلك من الأكاذيب السّلطوية، التّي أصبحت برنامجا وطنيا لسُلطة غير موجودة حتى في قصر الحكومة، ومحمية نادي الصنوبر!؟
حوالي 350 مُتدخلا في النّقاش تحت قبة البرلمان، والنّتيجة، شكر، وتزكية النّواب لبرنامج الحكومة! إضحك وإلاّ إبكي، فالأمر سيان! والأحسن هو الاستماع لأغنية المازوني التّي تقيأها على مسامعنا، وأعيُننا، في التّلفزة الوطنية، كواحدة من الدُّرر الفنّية، التّي تعكس بأمانة مستوى البؤس السّياسي، والفنّي، الذّي وصل إليه الوضع العام في البلاد!
واضح أنّ الأغنية “شاك”، وليست أغنية “شيك” التّي أطربهم بها المازوني، قال فيها إنّه سيستقبل القادة العرب بالحليب والتّمر! ونسي “الفنان الشيّات” أنّ الحليب مفقود في الجزائر، والحصول عليه لا يتمّ إلاّ عبر طوابير غير مُنتهية، وحتى التّمر هو الآخر سمّمته وزارة الفلاحة بالمواد الكيماوية، وأصبح غير صالح للأكل! وحبذا لو يأكل الحكام العرب من التّمر الجزائري المسموم، حتى نتخلص من “جدّ جدهم”! وقد سمعت أنّ عرب الخليج يُريدون إحضار التّمر، والحليب الذّي سيتمّ استقبالهم به من بلادهم، لأنّ تمر وحليب الجزائر غير صالح للاستهلاك الآدمي، إن توفّر طبعا! لست أدري لماذا تندفع البلاد نحو الرّداءة السّياسية بهذه السرعة؟!
في السّتينيات وقبل الإطاحة ببن بلة، كنّا نُلاحظ التّضييق على الحرّيات، مثلما يحدث حاليا مع رواد التّواصل الاجتماعي، حيث أتذكر حين تمّ سجن الفنان أحمد صابر، لأنّه غنّى أغنية “بوه.. بوه.. والخدمة ولاّت وجوه”! في حين، تمّ تكريم المازوني، لأنّه غنّى “خارجة من اللّيسي، ولابسة جيب بليسي”! وكُرّم الرّاحل رابح درياسة، لأنّه غنى عن الكرموسة، والزّيتونة، والتّفاحة، والوردة والفلاح، والمُمرّضة، وغنى أيضا عن المُبيدات الحشرية، مثل أغاني دواء السّوسة والنّحاسة، والبقّة، والبرغوثة، والفار في الغار يموت، “خذ يا قليل تبات هاني من البقّ والبرغوث!
وللمفارقة.. أنّ درياسة لمّا غنّى عن الفلاح، قلّ الإنتاج، ولمّا غنّى عن المُمرّضة انهار القطاع الصّحي في الجزائر، ولما غنى عن الجزائريين خاوة خاوة، قتل هؤلاء بعضهم بعضا، ولمّا غنّى عن السّاعة فُقِد معنى الوقت في الجزائر،وللأسف توفي قبل أن يغني على حكامنا والحكام العرب!