24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
يحدث في الجزائر فقط.. تجارة الموز تقود إلى السجن!
في واقعة لا يمكن أن تحدث سوى في جمهورية « القوة الضاربة »، أقدمت السلطات القضائية في الجزائر على اعتقال تجار يمتهنون بيع فاكهة الموز، بدعوى تسببهم في موجة الغلاء التي يكتوى بها الجزائريون منذ أشهر. في الحقيقة، هذا الإجراء ليس سوى ذرا للرماد في العيون وإلباسا للحق بالباطل، إذ يعلم القاصي والداني في الجزائر بأن مكمن الخلل يوجد في مكان آخر بعيدا عن المضاربين.
أعلن وكيل الجمهورية الجزائرية لدى محكمة الميلية بولاية جيجل، الخميس 23 ماي 2024، عن فتح تحقيق قضائي لمكافحة ظاهرة « المضاربة غير المشروعة »، وذلك بناءً على شكوى مقدمة من مصالح مديرية التجارة بولاية جيجل بخصوص تلاعبات غير مشروعة في تجارة الموز.
ونقلت وسائل الإعلام الجزائرية بيانًا صادرًا عن النيابة العامة، يتحدث عن تقديم ثلاثة مشتبه بهم أمام النيابة يوم 22 ماي 2024، للتحقيق في تهم تشمل « المضاربة غير المشروعة، تبييض الأموال، التهرب الضريبي، عدم الفوترة، الممارسات التجارية التدليسية، ممارسة نشاط تجاري دون حيازة محل تجاري، واستغلال سجل تجاري من طرف شخص غير صاحبه، بالإضافة إلى تحرير عمداً إقرارات أو شهادات تثبت وقائع غير صحيحة مادياً ».
وأبرز البيان أن قاضي التحقيق قرر، بعد استجواب المتهمين، إيداع اثنين من المتهمين رهن الحبس المؤقت، في انتظار استكمال إجراأت التحقيق ومحاكمتهم.
تأتي هذه الحملة ضد المضاربين في خضم موجة من الاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يشتكي الجزائريون من غلاء أسعار الموز التي قفزت مرة أخرى إلى 400 دينار جزائري (30 درهم مغربي)، بينما يدعي وزير التجارة في كل مرة بأنه « يسيطر على الوضع » في الأسواق.
والواقع أن كل الإجراأت التي اتخذها وزير التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني، في هذا الصدد، لم تكن سوى شعارات رنانة ولم تنفع في حل مشكلة غلاء أسعار الموز. فقد لجأ في البداية إلى تهديد المضاربين بمعاقبتهم بالقانون وسحب رخص الاستيراد منهم، وحين لم تنجح لغة التهديد خفض الوزير من حدة صراخه أمام الكاميرات وبدا حملا وديعا وهو يدعو المضاربين إلى «التعقل»، قبل أن ييأس من مخاطبتهم ويلتفت إلى المواطنين ويدعوهم إلى «مقاطعة شراء الموز» إلى غاية أن تعود الأسعار إلى مستواها الطبيعي.
الحكومة تستنجد بشريك عمومي
بعد فشل وزير التجارة في كبح غلاء أسعار الموز بالجزائر، اضطر وزير الفلاحة والتنمية الريفية إلى التدخل، من خلال إسناد مهمة استيراد فاكهة الموز لفائدة «شريك عمومي». وهو إجراء تلجأ إليه الحكومة الجزائرية لأول مرة، من أجل المحافظة على استقرار سوق هذه المادة التي باتت تصنف في خانة المنتجات واسعة الاستهلاك من طرف المواطن نظير الطلب الذي يكثر عليها على مدار السنة.
وتعول الحكومة على هذا الشريك العمومي، ويتعلق الأمر بالشركة الجزائرية لضبط المنتجات الفلاحة المعروفة اختصارا باسم SARPA التابعة للمجمع العمومي «أغرولوغ»، لكي تستورد كمية قدرها 10 آلاف طن من الموز، من أجل سد الخصاص الحاصل في هاته الفاكهة.
بعد فشل الحكومة الجزائرية في السيطرة على أسعاره.. الموز للأغنياء فقط في جمهورية «القوة الضاربة»
وذكرت جريدة « النهار أونلاين » الجزائرية استنادا إلى مصادرها، أن شركة صإRPإ ستتكفل بالمهمة بعد الإعلان عن مناقصة دولية قبل مباشرة العملية، وإدخال الكميات المطلوبة بأسعار تنافسية.
وسبق للحكومة الجزائرية أن لجأت إلى الشركة الجزائرية لضبط المنتجات الفلاحية لضبط الأسعار في الأسواق، وآخر مهمة لها كانت خلال شهر رمضان المنصرم، حيث كلفتها باستيراد الدجاج المجمد من دولة البرازيل بهدف «ضبط السوق بأسعار تنافسية».
وبينما تروج الحكومة لهذا الإجراء على أنه «إنجاز مهم» سيضع حدا لمعاناة المواطنين مع غلاء الموز، تعالى صراخ المستهلكين من جديد مستنكرين الفوارق الكبيرة بين الواقع في الأسواق وما تروجه الحكومة عبر الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبتاريخ يومه الجمعة 24 ماي، وصلت أسعار فاكهة الموز إلى 400 دينار للكيلوغرام الواحد في بعض الأسواق، في الوقت الذي تدعي الحكومة بأن سعرها لا يتجاوز 220 دينار.
وتعكس واقعة سجن تجار بسبب الموز مدى تعقيد الأزمة الاقتصادية في الجزائر، وتبرز التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة في سبيل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسيطرة على الأسعار.
الجزائر تصدّر الموز.. حلم أم سراب؟
تبلغ قيمة واردات الجزائر من الموز سنويًا بين 140 و150 مليون دينار، تأتي معظمها من دول أمريكا اللاتينية، خاصة الإكوادور والبرازيل. ورغم إدراج العديد من المواد الغذائية في قائمة الممنوعات من الاستيراد في الجزائر، إلا أن الحكومة استثنت الموز من هذه القائمة.
ويحلم النظام الحاكم في الجزائر بأن يحول الجمهورية الغارقة في مستنقع الفساد، من بلد مستورد لفاكهة الموز إلى مصدرة لها، في غضون السنوات الخمس المقبلة، من خلال تشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على زراعة هاته الفاكهة في الأراضي الجزائرية، وذلك بمبرر تقليص فاتورة الواردات الغذائية التي تفوق 34 مليار دولار سنويًا.