24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
مؤسسة ألمانية: ثقل المملكة في إفريقيا يجعلها شريكا دوليا لا غنى عنه
لم تعد المكانة، التي أضحت تحتلها المملكة لدى صناع القرار العالمي، مجرد قرارات سياسية مرحلية، بل تعدت ذلك لتصبح موضوع تقارير مؤسسات دراسات، رصدت هذا التحول، وكشفت عن النظرة الجديدة التي نقلت المغرب إلى مستوى وصفه بالشريك الدولي الهام، والذي لا غنى عن التفاعل معه.
فبعد تقارير سياسية وأمنية واقتصادية صادرة عن مؤسسات في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، جاء الدور على مؤسسة ألمانية، خلص تقرير لها إلى تزايد الثقة الأوروبية بالمملكة، والتي وصفتها بالعالية، والتي بوأتها لأن تتحول إلى بوابة أوروبا لولوج إفريقيا، بعد تحقيق المغرب لعدد من النجاحات في منطقة شديدة الحساسية.
وأوضحت مؤسسة «فريديريش نومان ستايفتونغ» الألمانية أن المغرب نجح في أن يحافظ على مكانته بالمنطقة كأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، معتبرة أن المملكة هي «شريك لأوروبا في مجال مكافحة الهجرة وجهود بسط الأمن في دول جنوب البحر الأبيض المتوسط».
وتحدث التقرير عن نجاح المغرب في تقوية عمقه الإفريقي بإطلاق العديد من المبادرات التنموية والاقتصادية والسياسية والدينية، وبالخصوص منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي في 2016، حيث ركز حديثه عن الجانب الديني، من خلال تأكيد تشبث المملكة بدبلوماسيتها الدينية في علاقاتها بدول الجنوب، وتصديرها لنموذجها الوسطي في التدين، وذلك عبر إنشاء العديد من المساجد والانخراط في استراتيجية تكوين الأئمة والمرشدين الأفارقة.
وفي الجانب الاقتصادي، ثمن التقرير مبادرة الأطلسي التي أطلقها جلالة الملك، والتي اعتبرها آلية لتسهيل ولوج دول منطقة الساحل الإفريقي إلى الممر المائي الحيوي ودليلا على رغبة المغرب في تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي لشعوب منطقة الساحل، وفرصة لضمان استقرارها وأمنها.
ولم يخف التقرير الألماني الإشارة إلى محاولات الجزائر، التي ينظر نظامها العسكري بنوع من الريبة والعجز، للتشويش على هذه المبادرة، معتبرا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، بسبب عجز النظام العسكري عن تقديم برامج حقيقية تنافس الخطة المغربية الطموحة.
وتأتي هذه الرسالة، التي حملها التقرير الألماني، بعد رسالة سابقة بعث بها عدد من المسؤولين في الخارجية والدفاع والأمن في بريطانيا، يطالبون فيها حكومة بلادهم بالاعتراف بمغربية الصحراء، والانخراط الفعلي في علاقة استراتيجية مع المملكة.
وتضمنت الرسالة التي وقعها عدد من الوزراء السابقين الإشارة إلى أنه في «مشهد العلاقات الدولية والاستقرار الجيوسياسي، هناك مناطق قليلة تمثل فرصة حاسمة للتأثير الإيجابي والمنفعة المتبادلة مثل الصحراء في المغرب، وفي خضم الاضطرابات الهائلة التي نشهدها على مستوى العالم، أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للمملكة المتحدة أن تعزز تحالفاتها مع الدول المستقرة ذات التفكير المماثل لتعزيز الاستقرار الإقليمي والأمن الدولي».
وعلى غرار بريطانيا، التي أصبحت تراهن على الاستفادة من ثمار هذا المخطط، أعلنت عدد من الأصوات في إسبانيا على ضرورة الاستثمار في هذا التوجه المغربي، حيث كانت صحيفة لاراثون الإسبانية آخر الأصوات الداعية إلى تعزيز التعاون مع المغرب، حيث قالت في مقال تحليلي لها إن الحكومة الإسبانية مدعوة للحفاظ على علاقات جوار جيدة في جميع المجالات مع المملكة، بسبب دورها في إفريقيا التي تتلاقى مصالحها مع مصالح إسبانيا الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية.
وأشارت لاراثون، في مقال نشرته الشهر الماضي، إلى أن إفريقيا هي ثاني أكبر قارة على هذا الكوكب، هي قارة الأمل التي تجرى فيها مشاريع سياسية واقتصادية وتجارية مهمة، موضحة أن المملكة المغربية كثفت خلال عهد الملك محمد السادس علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والتجارية مع البلدان المجاورة في المغرب العربي وإفريقيا الناطقة بالفرنسية ودول جنوب الصحراء الكبرى، على أساس مبادئ العدالة والتضامن وحسن الجوار.
وزادت الصحيفة قائلة إن المغرب هو ثاني أكبر مستثمر في إفريقيا، مع آفاق أن يصبح الأول في القارة ويتمتع بموقع جغرافي متميز، فهو مفترق طرق التجارة البحرية في أوروبا وإفريقيا وأمريكا، ويساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للقارة، مشيرا إلى المبادرة الملكية الأطلسية التي ستمكن دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر ميناء الداخلة في الصحراء المغربية، حتى تتمكن من التجارة مع الأمريكيتين.
وخلصت الصحيفة الإسبانية إلى أن المملكة المغربية ساهمت أيضا في السلام والأمن في إفريقيا وأوروبا من خلال سياسة «القوة الناعمة» ضد الإرهاب في منطقة الساحل. وزادت أن توسيع النموذج الإسلامي المعتدل في المغرب أصبح ممكنا بفضل الشرعية الدينية التي يجسدها الملك محمد السادس في غرب إفريقيا.
وهكذا لم يعد خافيا على أحد أن المغرب نجح في سياسته الإفريقية، عبر بوابة شعار «رابح رابح».. فالنتائج التي بدأت المملكة تجنيها في السنوات الأخيرة لم تكن مجرد غلات موسمية فرضها التأرجح بين الشرق والغرب، بل نتيجة لسياسة ملكية دشنها عاهل البلاد منذ تربعه على العرش، وبينت التجارب وجاهتها وجديتها على المدى المتوسط والبعيد.