24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
الصحراء المغربية تضع علاقة الجزائر بفرنسا على “كف عفريت”.. وزيارة تبون إلى باريس تصبح في “حكم الملغاة”
لم تمض السنة على استعادة العلاقات الجزائرية الفرنسية شيئا من عافيتها، حتى فتح قصر المرادية جبهة جديدة من التوتر مع المستعمر القديم، بعدما عمد إلى تسريب مُعطى استعداد باريس للإعلان عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء من خلال دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي، عقب توصّله بالإخطار من لدن السلطات الفرنسية بهذا المستجد، وهي “السقطة الدبلوماسية” التي باتت تضع الزيارة المنتظرة للرئيس عبد المجيد تبون لباريس على كف عفريت وينذر بانعراجات كبيرة تشوب العلاقة الثنائية وقد تُرجعها لنقطة الصفر.
وقد أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان رسمي مارس الماضي، عقب اتصال هاتفي بين إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون، أن هذا الأخير سيؤدي زيارة دولة إلى العاصمة الفرنسية نهاية شتنبر أو بداية أكتوبر وذلك بعد إرجاء وتأجيل متعدد نتيجة للعلاقات الثنائية المتردية والتي كانت قد أخذت طريقها نحو الدفء في الأشهر القليلة الماضية، لكن وقبيل انتهاء الأشهر الستة التي تفصل عن الموعد المتفق عليه جرت مياه كثير من تحت جسر العلاقات تهدّد بنسف هذا الموعد المنتظر منذ سنوات وإعادة العلاقات إلى نقطة الصفر.
ولا شك أن التقارب المغربي الفرنسي الأخير المتمثل في الإشارات الإيجابية التي أرسلتها باريس إلى الرباط، من أجل تجاوز فترة البرود الدبلوماسي الذي شهدته العلاقات الثنائية بين البلدين في السنوات الأخيرة، في مقدّمة دواعي الغضب الجزائري المُعبر عنه في البلاغ الحاد الذي عمّمته وزارة خارجية البلد، سيّما وأن المستعمر القديم عمد إلى الانخراط في المشاريع الاستثمارية الكبرى في الصحراء المغربية، الأمر الذي أثار غضب واستنكار الجبهة الانفصالية وداعمتها الجزائر في وقت سابق واعتبرته “عدوانا”، كما شمل التقارب والتعاون مختلف القطاعات بما فيها الصفقات المرتبطة باقتناء السلاح، وكل ذلك في وقت كان ينتظر المغرب موقفا صريحا من فرنسا بشأن ملف الصحراء المغربية، على غرار الموقف جد المتقدم لإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وغيرها من الدول الشريكة والحليفة للمملكة.
وبناء على المُعطى الذي جاء في البلاغ المتسرع، فقد أخذت الحكومة الجزائرية “علما، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة، وقد تم إبلاغ السلطات الجزائرية بفحوى هذا القرار من قبل نظيرتها الفرنسية في الأيام الأخيرة”، وفق توصيف الوثيقة.
ويبدو أن تسريب الجزائر، لهذا المُعطى في خطوة تتنافى والقواعد الدبلوماسية المتعارف عليها قد أثار غضب قصر الإليزيه، ما يُفسّر رفض الحكومة الفرنسية التعليق على الموضوع بتصريح لوكالة أنباء بلدها على غير العادة، بل رأت أن هذا “الخطأ الدبلوماسي” الذي حاولت الجزائر احتوائه بحذف نص البلاغ من موقع وزارة الخارجية، يستدعي خرجة إعلامية لوزير خارجية فرنسا، ستيفان سيجورني على شاكلة لقاء صحفي من المرتقب أن تبُثه اليوم على قناة LCI الفرنسية على الساعة 19.30 بالتوقيت المغربي، من أجل تسليط الضوء على كل هذه التطورات “غير المنتظرة”.
ولا يختلف اثنان على أن البيان الجزائري، الذي حمل شحنة مهمة من التهديدات لباريس، هو بمثابة تدخّل في القرار السيادي لدولة ثانية ويتنافى والأعراف والقوانين الدبلوماسية لكنه من جهة ثانية، وبحسب العديد من الخبراء والمراقبين اعتراف آخر ضمني وصريح بكون الجزائر طرف أساسي ومباشر في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، سيّما وأنه تخطّى كونه موقف دولة يُفترض أن يُعبر ويُعلن عنه من طرف الدولتين المعنيتين أي المغرب وفرنسا كما جرت به العادة والعرف الدبلوماسي، إلى تسريب معلومة وإخطار يدخل في نطاق السرية للرأي العام الدولي.
وفي هذا الإطار، يرى أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية خالد شيات، أنه ومع افتراض أن ما صدر عن الخارجية الجزائرية هو واقع ويُعبر عن حقيقة فعلية لفرنسا، فإنه ووفق الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها يجب أن يصدر أولا عن المعنيين بالأمر لأنه يتعلق أولا بموقف فرنسي من قضية الصحراء المغربية، وإن كان في الحقيقة يعبر عن المسار التقليدي الفرنسي في تأييدها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، وعن المسار المتصاعد الآن من الموقف الثابت من هذه المسألة.
الشيات، اعتبر أن “البيان الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، يعكس من جهة ثانية حال التخبط الذي تعيشه الجزائر بمثل هذه التصريحات خصوصا وأن الأمر يتعلق بدولتين لا علاقة للجزائر بهما، كما أنه يتعلق بقضية لطالما ادعت الجزائر أنها غير معنية بها وبالنزاع بخصوصها، وإنها تدافع عن موقفها وعن مبدأها من هذا النزاع في إطار القانون الدولي” مضيفا بالقول: “بطبيعة الحال من حق أي دولة التعبير عن مواقفها من القضايا السياسية والسيادية التي تراها مناسبة، لكن هنا تم الإفصاح عن فحوى إعلان موقف دولة قبل الدولة نفسها”.
وأشار الخبير في العلاقات الجيوسياسية، إلى أن البلاغ الجزائري تضمن الكثير من التخوين، وهذا مردّه في الأصل لـ “واقع الاحادية التي يريد العسكر الجزائري أن يفرضها على العالم وفق حرية الرأي وحرية التصور الواحدة، أي رفض التعددية، وهذا دليل آخر على أن الجزائر متورطة حتى النخاع في هذه القضية، بل أكثر من ذلك هي صنعت المشكل وتجد الآن صعوبة في التعامل مع مخرجاته الطبيعية التي قد تؤدي إلى حالة من السلمية وإنهاء هذا النزاع المفتعل بطريقة نهائية وسلمية”.
وعليه، يؤكد الشيات أن الجزائر بوصفها “وريثة المنظومة الاستعمارية في المنطقة، تُصر على الاستمرار في نفس النهج الاستعماري الذي تبنته القوى الاستعمارية حتى لو كانت هذه القوى نفسها قد تغاضت وتراجعت عن تصوراتها التقسيمية والتقزيمية التي ترى بها المغرب باعتباره قوة إقليمية صاعدة” وفق تعبير المتحدث.