24 ساعة

  • تحت الاضواء الكاشفة

    orientplus

    لماذا يتخوف النظام الجزائري من الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والإمارات؟

    أراء وكتاب

    بنطلحة يكتب: المغرب واستراتيجية ردع الخصوم

    فلنُشهد الدنيا أنا هنا نحيا

    الحلف الإيراني الجزائري وتهديده لأمن المنطقة

    بانوراما

    الرئيسية | اخبار عامة | رغم غياب الأضحية، المغاربة يُحيون طقوس عيد الأضحى بخشوع جماعي واستجابة لنداء الملك

    رغم غياب الأضحية، المغاربة يُحيون طقوس عيد الأضحى بخشوع جماعي واستجابة لنداء الملك

    في لحظة جماعية نادرة تمزج بين الإيمان العميق والانضباط الجماعي، غصّت صباح اليوم السبت مصليات ومساجد المملكة المغربية بالملايين من المصلين، في مشهد احتفالي روحاني، غاب عنه فقط أحد أبرز طقوس العيد، وهو شعيرة النحر.

    الاحتفال بعيد الأضحى هذا العام في المغرب لم يكن تقليديا كما تستدعي الضرورة كل عام، لكنه لم يخلُ من الدلالة والبهاء، فقد استجاب المغاربة، على اختلاف مواقعهم ومشاربهم، لنداء استثنائي من أعلى سلطة دينية في البلاد الملك محمد السادس، الذي أهاب بشعبه ألا يذبحوا أضاحيهم هذا العام، حفاظا على القطيع الوطني في ظل الجفاف الحاد والضغوط الاقتصادية.

    صلاة العيد.. الجموع تحتفي بروح الشعيرة

    في أولى ساعات الصباح، تقاطرت أفواج المصلين إلى الساحات الكبرى والمصليات المنتشرة في المدن والقرى، تكبيرات العيد صدحت من مكبرات الصوت، واختلطت بأصوات الأطفال ووقع الأقدام المتجهة نحو الفجر الروحي، في لوحة جماعية مهيبة عبّرت عن ارتباط المغاربة العميق بهويتهم الدينية.

    صورة لصلاة العيد بمدينة سلا المغربية (أرشيف)
    وإن تباينت مواقيت الصلاة بحسب المدن، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعا كان الحضور المكثف للمصلين من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية، والحرص الجماعي على عيش لحظة العيد في بعدها التعبدي والتضامني، حتى في غياب الذبيحة.

    الخطب التي تلت الصلاة ركزت على مقاصد العيد الكبرى، وهي قيم الرحمة، والعطاء، والتضامن، وربطت بين قصة الفداء وسياق البلد الراهن، حيث التضحية تأخذ أبعادًا تتجاوز الدماء إلى معاني الانضباط وحماية المصلحة العامة.

    عندما يُذبح الكبش باسم أمة

    التحول الأبرز في عيد الأضحى المغربي هذا العام تمثل في غياب شعيرة النحر عن بيوت المواطنين، فقد أهاب الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، المغاربة إلى عدم نحر الأضاحي هذا العام، في خطوة وُصفت بأنها تعبّر عن وعي ديني ووطني عميق بخصوصية الظرف.

    وأوضح بلاغ رسمي صادر بهذه المناسبة أن الملك محمد السادس سيقوم بذبح الأضحية نيابة عن شعبه، إحياء لسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي ذبح كبشين، أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته، في ترميز ديني عميق لروح الجماعة.

    الخطوة الملكية اعتُبرت لافتة ليس فقط في بعدها الديني، بل في بعدها الاجتماعي، إذ حررت ملايين الأسر من حرج القدرة الشرائية وأكّدت أن الشعيرة لا تكمن فقط في الدماء المسفوكة، بل في نية التقرب والطاعة الجماعية.

    وقرار الملك بعدم أداء شعيرة النحر لم يكن معزولا عن سياق وطني حرج، يتمثل في التراجع المقلق للموارد المائية والآثار الوخيمة للجفاف على القطاع الفلاحي، خاصة في ما يتعلق بتربية الماشية، فالقطيع الوطني عانى خلال الموسمين الأخيرين من صعوبات غذائية وصحية، دفعت الدولة إلى اتخاذ إجراءات استباقية لحمايته، منها دعم الأعلاف ومراقبة الأسواق، إلا أن حجم التهديد تجاوز القدرة على التدارك، ما دفع برمزية القرار الملكي إلى الأمام: الحفاظ على مورد استراتيجي لمستقبل الأمن الغذائي.

    المغاربة يتفاعلون بروح عالية

    التجاوب الشعبي مع التوجيه الملكي لم يكن صامتا، بل عبّرت عنه الساحات العامة، والمصليات، ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى جلسات العائلة البسيطة، وفي حديثهم لـ”الصحيفة”، عبّر مواطنون من مدن مختلفة عن قناعتهم بخلفيات القرار، وإدراكهم الرمزي والديني لأبعاده.

    وتقول فاطمة الزهراء. ب، وهي موظفة في قطاع الصحة بالعاصمة الرباط، إنها أدت صلاة العيد هذا الصباح في مصلى يعقوب المنصور “وكان الحضور كبيرا ومؤثرا، فالناس بوجوههم المضيئة ولباسهم التقليدي الجميل، والفرحة حاضرة في عيون الأطفال.. صحيح ما ذبحناش هاد العام، لكن حسّيت فعلا أن روح العيد ما تغيباتش.. نداء الملك فيه حكمة، لأن الحفاظ على القطيع اليوم هو نوع من الأضحية الجماعية، وأنا كنفتخر أننا كمغاربة تجاوبنا بكل وعي.”

    حافظ المغاربة على طقوس عيد الأضحى رغم عدم وجود الأضحية هذه السنة بسبب نقص القطيع
    أما الرجل السبعيني عبد الكبير. ر، وهو متقاعد يقطن بسلا فقد التقته “الصحيفة” بمصلى حي بطانة وقال “أنا عمري 72 سنة، وهذه أول مرة ما كنذبحش فيها العيد، لكن ماشي حزين.. بالعكس، حسّيت براحة ضمير، لأن القرار ماشي ديالي بوحدي، جاي من سيدنا أمير المؤمنين، اللي كيدير بحساب مصالح الأمة كلها حضرت صلاة العيد في حي بطانة، والناس كلهم متفاهمين ومتضامنين، تبادلنا التهاني وحتى الحلوى، وبقينا كنذكروا الله.. هاد العيد مختلف، ولكن فيه بركة كبيرة.”

    وفي تارودانت، الساكنة بارتباطها الثقافي الكبير بالعادات، خصوصا الخاصة ب، “العيد الكبير” كما يحلو للمغاربة تسميته لكن هذا لا يمنع ” تجاوب الجميع مع توجيهات الملك” وفق ما أكدته ليلى، ح في حديثها لـ “الصحيفة”: “لبسو الصغار الجديد، وخرجنا نصليو في الهواء الطلق.. واللي عندو قدرة دار وليمة بسيطة، واللي ما عندوش تشارك مع الجيران.. حتى الأطفال كنا كنشرح ليهم أن هذا العام كنعيدو بنية صافية بدون ذبيحة. وهاد الشي كيعلّمهم معنى التضحية الحقيقية.”

    وتحدّثت “الصحيفة” أيضا لواحد من تجار الأغنام الصغار بنواحي تارودانت لتبيّن مدى التزام الساكنة بعدم أداء سنة النحر، وهو الحاج علي. م، الذي قال: “أنا من الناس اللي كيربّيو الغنم، وكنعرف شنو وقع للقطيع هاد العام.. الجفاف ضرب بقوة، والكلأ ناقص، والأسعار طالعين.. القرار ديال سيدنا كيحمينا كاملين، حتى الفلاح ماشي فرحان يبيع، لأنه خاسر فكلتا الحالتين.. العيد هاد العام بحالو بحال كل عام من ناحية الصلاة واللمة، والذبيحة ممكن تكون فالسنة الجاية إن شاء الله، ولكن هاد العام ضحينا بالصبر والطاعة.”

    عاهل البلاد يؤدي صلاة العيد من تطوان

    على المستوى الرسمي، تركزت أنظار المغاربة صباح اليوم على مدينة تطوان، حيث أعلن بلاغ لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة أن الملك محمد السادس سيؤدي صلاة العيد بمسجد الحسن الثاني عند الساعة الحادية عشرة صباحًا.

    ويتوقع أن يتضمن الحفل الديني الملكي لحظات رمزية قوية، خصوصا في ظل هذه الظرفية الحساسة، حيث يلتقي البعد الديني بالشأن الاجتماعي، في رسالة موحدة مفادها أن التدين الحقيقي يتجلى في طاعة ولاة الأمور حين يُقدّرون المصلحة العامة.

    أدى الملك محمد السادس، صباح اليوم السبت، صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد الحسن الثاني بمدينة تطوان، وتلا ذلك نحر كبشين تنزيلا للسنة النبوية، في ظل الظرف الاستثنائي الحالي الذي اقتضى إلغاء شعيرة النحر لعموم المواطنين.
    ومن الرباط إلى فاس، ومن الدار البيضاء إلى ورزازات وتارودانت، احتفل المغاربة بالعيد بطرق بديلة، من توزيع الحلوى، وزيارة الأهل والأقارب، في مشاهد تُثبت أن العيد لا يُختصر في النحر فقط، بل هو موسم للصلة، والرحمة، والرضا الجماعي.

    ورغم الغياب الطوعي لشعيرة الأضحية، إلا أن الحضور الكثيف في المصليات، والانضباط الشعبي الكبير لنداء الملك، شكّلا أبلغ دليل على أن تمسك المغاربة بدينهم يتجلى حين يحولونه من شعائر فردية إلى طاعة جماعية لها بُعد وطني وتدبيري.


    الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة وطنية | orientplus.net

    تعليقات الزوّار

    أترك تعليق

    من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.