24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
ما الذي “يؤلم” الجزائر في دعم فرنسا لمغربية الصحراء؟
بالنسبة لكل دول العالم، قرار فرنسا، المُضمنُ في رسالة من الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس، والقاضي باعتبار مقترح الحكم الذاتي المغربي الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام لقضية الصحراء، أمر يدخل في إطار العلاقات الثنائية بين دولتين تجمعهما الكثير من المصالح المشتركة، وخطوة أخرى نحو إقرار حل عملي وواقعي لملف عالق منذ زهاء نصف قرن.
هكذا تنظر كل دول العالم إلى الخطوة الفرنسية التي أعلن عنها الديوان الملكي المغربي اليوم، تزامنا مع مرور 25 عاما على جلوس الملك محمد السادس على العرش، باستثناء دولة واحدة، أرغدت وأزبدت حتى قبل صدور الإعلان الرسمي، ثم عجلت، بعد ساعات فقط على تأكيد المؤكد، لتسحب سفيرها من باريس بأثر فوري. هذه الدولة هي الجزائر، التي تزعم أنها “ليس طرفا في الملف”.
ومن سُخرية القدر، أن يكون سعيد موسي، السفير الذي استدعته الجزائر من باريس احتجاجا على القرار الفرنسي الذي يرى أن “حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية”، هو نفسه الذي استدعاه قصر المُرادية من مدريد، في 18 مارس 2022، احتجاجا على إعلان إسبانيا دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء في رسالة بعث بها رئيس الوزراء بيدرو سانشيز للعاهل المغربي.
ما تفعله الجزائر حاليا هو أنها تُثبت للعالم، بإصرار، أنها الطرف الثاني في ملف الصحراء، وأن جبهة “البوليساريو” الانفصالية ليست إلا أداة في يدها لإخفاء طموحٍ توسعي يسعى أساسا إلى الحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي ومُحاصرة جغرافيا المغرب من جميع الجهات، لقطع أي صلة له بعمقه الإفريقي، وبالتالي الحد من مساعيه للريادة الإقليمية.
لا يمكن لأي ملاحظ موضوعي، اليوم، أن يقتنع بالكلام الرسمي الجزائري، الذي أعاد تكراره في يونيو الماضي فقط، السفير الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة بنيويورك، عمار بن جامع، والذي مفاده أن الجزائر ليست طرفا في النزاع وأن لا أطماع توسعية لها”، وإن كان من العبث أساسا الاقتناع بعكس ذلك خلال العقود الماضية أيضا.
إن مجرد توجه فرنسا، عبر القنوات الدبلوماسية، إلى الجزائر، من أجل إخبارها بشكل مُسبق بالقرار الذي يُفترضُ أنه يهم باريس والرباط، هو دليل على أن القوى الفاعلة في المنتظم الدولي تعرف من هو الطرف الآخر في المعادلة، ولو كان الحال غير ذلك، لما قرأنا البيان الهائج الذي أصدرته الخارجية الجزائرية يوم 25 يوليو 2024 الذي صيغَ بلُغة مُفرطة في التهديد والوعيد.
هذه الجزائر، هي نفسها التي حولت خريطةً للمملكة تتضمنُ أقاليم الصحراء على قميص نهضة بركان، إلى قضية “سيادة وطنية” استدعت انسحاب فريق اتحاد العاصمة من نصف نهائي كأس الاتحاد الإفريقي، وكأن القميص اقتطع أجزاء من التراب الجزائري وضمها إلى الأراضي المغربية، لدرجة أن الكثير من متابعي كرة القدم من خارج البلدين، البعيدِين عن الشأن السياسي، اعتقدوا أن الأمر يتعلق بمنطقة متنازع عليها بين الدولتين، وهو الاقتناع الذي يظهر أنه أقربُ للصواب.
الثابت اليوم أيضا، بموضوعية وبراغماتية سياسية، أن المغرب، كان مُصيبا حين أبلغ، عبر وزير الخارجية ناصر بوريطة، ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي المكلف بملف الصحراء، في لقائهما بالرباط يوم 4 أبريل 2024، بِلاءاته الثلاث، وأولها أن “لا عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة، بمشاركة كاملة من الجزائر”.
المؤكد أن ملف الصحراء أضحى له اتجاه واحد ووحيد منذ 2020 على الأقل، وهو الحل النهائي وفق مقترح الحكم الذاتي المغربي، ولو كان الأمر غير ذلك لما ترددت السفيرة الأمريكية في الجزائر العاصمة، في حوار مع صحيفة La Patrie News قبل أيام، في انتقاء عبارات دبلوماسية لمراوغة الأسئلة المتعلقة باعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء.
لكن، ولأن الأمر محسوم، سواء كان الرئيس المستقبلي، أو الرئيسة المستقبلية، في أمريكا، من الجمهوريين أو الديمقراطيين، أجابت السفيرة إليزابيث مور أوبين: “وصلتُ إلى الجزائر في فبراير من سنة 2022، وكان الرئيس ترامب قد أصدر هذا الإعلان في عام 2020، ولم يُغير الرئيس بايدن الإعلان لأنه حقيقةٌ تاريخية”، لكن ولأن الجزائر تعرف ما تعنيه أمريكا في المعادلة الدولية، فلم تسحب سفيرها من واشنطن لا في 2020 ولا في 2024.
وعلى أي، فإن الناظر إلى الأمور من منظور الواقعية، يعلم أن موقف فرنسا، وقبلها إسبانيا وألمانيا، وقبلهما أمريكا، هو حجر الزاوية لاتجاه دولي تتضح معالمه أكثر فأكثر، إذ نجد أن كل دول الخليج إلى جانب العديد من الدول العربية الأخرى، تدعم بشكل صريح وعلني مغربية الصحراء، وأن 20 بلدا إفريقيا لديه قنصليات في العيون والداخلة، وأن 16 دولة على الأقل في الاتحاد الأوروبي تساند مقترح الحكم الذاتي المغربي.
على الجزائر، سلطاتٍ وشعباً، أن تكون بدورها أكثر جُرأة وعقلانية، وأن تنسى هلاوِس “ثأر حرب الرمال” التي يحملها قادة عسكريون وسياسيون استبدت بهم الشيخوخة منذ سنوات، وجعلتهم الأوهام يعيشون داخل صندوق ضيق مُحكم الإغلاق، بعيدا عن المتغيرات التي يشهدها العالم ويشهدها محيطهم الإقليمي، الإفريقي والعربي.
إن الجزائر، “البلد القارة” كما يُحب مسؤولوها أن يطلقوا عليها، وجدت، لسنوات، في قضية الصحراء منفذا لتصريف أزمات داخلية متراكمة، سياسية واجتماعية واقتصادية، يُفترض ألا تكون في بلد غني بالنفط والغاز، ولربما يكون المخرج النهائي، لا المؤقت ولا الوهمي، من كل تلك الأزمات، هي بناء تكتل مغاربي قوي ومتماسك ومتعاون، بدل الإمعان في مُعاندة الواقع، والإنفاق بسخاء على مجموعة لم تستطع تسيير مخيم وسط الرمال فما بالُك بـ”دولة”.