24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
الجزائر: الجيش يبتلع ميزانية البلاد.. بينما المواطن يئن تحت وطأة الأزمات
فجأة تبخرت كل الوعود التي أمطر بها عبد المجيد تبون شعبه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، حين كان يوهم مواطنيه بأنه سيعطي الأولوية، خلال العهدة الثانية، لبناء «جزائر جديدة» يجد فيها الشباب فرصا للشغل ويستفيد فيها العاطلون والمتقاعدون من «الزيادة» في المنح والمعاشات ويتمتع فيها جميع المواطنين بـ«السكن اللائق» و«العيش الكريم».. فقد تجلى للجزائريين اليوم ما هي الأولوية الحقيقية التي تشغل بال «عمي تبون»، عندما اكتشفوا أنه رمى وراءه كل وعوده الوردية لهم ووضع بسخاء كبير نسبة ضخمة من ميزانية البلاد بين يدي الجيش، الحاكم الفعلي في قصر المرادية.
في خطوة أثارت جدلا واسعا، قررت الحكومة الجزائرية رفع ميزانية الدفاع للعام 2025 إلى أكثر من 25 مليار دولار، بزيادة قدرها 3 مليارات مقارنة بالعام الماضي. وقد تركزت هذه الميزانية الضخمة على رواتب القوات العسكرية والدرك، والدعم اللوجستي، والإدارة العامة.
وفقا للبيانات الرسمية، يُقدّر إجمالي إيرادات الجزائر بحوالي 64 مليار دولار، بينما يبلغ العجز المالي حوالي 62 مليار دولار. ومع ذلك، حصلت وزارة الدفاع على حصة الأسد من هذه الموارد، بمبلغ 25 مليار دولار، وهو ما يعكس أولويات الحكومة في تعزيز الإنفاق العسكري لمواجهة « مخاوف أمنية »، في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متدهورة لا يدفع ثمنها غير المواطن البسيط.
أثارت هذه الزيادة في ميزانية الجيش استياء واسعا في أوساط الشعب الجزائري، إذ رأى كثير من المواطنين أن الأولوية كان يجب أن تكون لتحسين البنية التحتية، وخلق فرص العمل، وتعزيز التنمية الاقتصادية.
وعلق مواطن جزائري يدعى عبد الغني عبودي على هذا الخبر الذي أوردته جريدة « الشروق » عبر حسابها في منصة فيسبوك: « والشعب يموت جوعا وقهرا من قبل العسكر »، فيما رد عليه آخر يدعى عبدو مستنكرا رصد هذه الميزانية الضخمة وإهدارها كلها في « المناورات وخلق عدو وهمي وإيهام الشعب باستهدافه من طرف أيادي أجنبية.. »، قبل أن يختم بعبارة تنم عن سخطه على الوضع، حيث قال: « يا لكم من متغولين ».
وتساءل سعيد الداودي حول مصير البلاد في خضم نهج النظام لهذا التدبير الذي وصفه بـ« الكارثي »، حيث كتب يقول: « لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. في ظرف سنتين دبر النظام العسكري الجزائري تقريبا 50 مليار دولار أمريكي في التسلح عوض الاستثمارات المنتجة والتي تخلق فرص الشغل للشباب الجزائري. إلى أين سيؤدي هذا التدبير الكارثي؟ »
أما زكريا الوالي فقد تطرق من خلال تعليقه لما يراه تأثيرا سلبيا لهذه الميزانية الضخمة على المعيش اليومي للمواطنين، حيث كتب يقول بنبرة ساخرة: «دراهم العدس والسيارات والعجلات والحليب ستذهب إلى شنقريحة وجماعته. بوصبع (المواطن الجزائري) هذا العام سيعاني كثيرا في الطوابير».
رغم أن الجزائر تُعد من أكبر منتجي الغاز والنفط في المنطقة، إلا أن المواطن الجزائري يعاني من صعوبات اقتصادية خانقة. فقد ارتفعت نسبة البطالة إلى 13%، ودفعت الظروف الاقتصادية الصعبة الشباب إلى الهجرة غير الشرعية، بحثا عن حياة أفضل في أوروبا. وبينما تتزايد مخصصات الدفاع، يواجه المواطن أزمات يومية في تأمين المواد الأساسية، مما أدى إلى تزايد الانتقادات الموجهة للنظام العسكري الحاكم.
ما يثير التساؤلات أيضا هو حجب الحكومة الجزائرية لتفاصيل ميزانية الدفاع عن العامة والبرلمان، مستندة إلى قوانين تتيح إخفاء البيانات المتعلقة بالدفاع الوطني تحت مسمى « السرية والاستراتيجية ».
وعلى الرغم من أن جميع الوزارات الأخرى تقدم جداول تفصيلية عن ميزانياتها، إلا أن ميزانية الدفاع ظلت بعيدة عن النقاش العلني، مما أثار الشكوك حول توجيه هذه الأموال وكيفية استغلالها.
في حين يستمر النظام الحاكم في تسمين الجيش بأموال الشعب، تظل الحياة اليومية للمواطن الجزائري في تدهور مستمر. إذ تشير التقارير إلى تزايد طوابير الانتظار للحصول على مواد أساسية كالخضر واللحوم والمواد الأساسية كالحليب والقطاني، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إصلاحات اقتصادية حقيقية توفر فرص عمل وتحسن الظروف المعيشية.
وفي ظل استمرار النظام في إعطاء الأولوية للمصالح العسكرية على حساب متطلبات المواطن، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيظل الشعب الجزائري يعاني من وطأة القرارات الاقتصادية التي لا تأخذ حاجياته بعين الاعتبار؟