24 ساعة

  • تحت الاضواء الكاشفة

    orientplus

    لماذا يتخوف النظام الجزائري من الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والإمارات؟

    أراء وكتاب

    بنطلحة يكتب: المغرب واستراتيجية ردع الخصوم

    فلنُشهد الدنيا أنا هنا نحيا

    الحلف الإيراني الجزائري وتهديده لأمن المنطقة

    دولة البيرو وغرائبية اتخاذ القرار

    الجزائر.. والطريق إلى الهاوية

    بانوراما

    الرئيسية | اخبار عامة | عندما اختار آلاف الجزائريين اللجوء إلى المغرب “زمن الاستعمار”

    عندما اختار آلاف الجزائريين اللجوء إلى المغرب “زمن الاستعمار”

    عشرات آلاف الجزائريين غادروا البلاد منذ احتلالها من قبل الفرنسيين ليستقروا كلاجئين بالمغرب، حيث كانوا بمهام وأدوار وأنشطة عدة ومتداخلة على إيقاع ما حصل من تطورات بعد فرض الحماية عليه. ولعل ما وقع من خلال تتبع هجرة ولجوء هؤلاء، توزع على أربع موجات، منها تلك التي بدأت مباشرة بعد احتلال البلاد وقد اتخذت طابعاً فردياً شمل علماء وإداريين وحرفيين…، وآخر جماعيا همَّ قبائل بأكملها أو فروعاً منها مثلما شهدته جهة البلاد الغربية خاصة، علما أن معظم هؤلاء استقروا بمدن وجدة وفاس وتطوان وتازة ومكناس وطنجة، بل وببوادي.

    أما ما يخص موجة اللجوء الثانية فقد ارتبطت بحدث احتلال وجدة وفرض الحماية على المغرب، وورد أنها كانت أكثر قوة، خاصة بمنطقة وهران، تحديداً مدن تلمسان وندرومة ومعسكر، في علاقة بحاجة السلطات الفرنسية إلى مهام وساطة وإدارة وترجمة وتواصل بينها وبين المغاربة.

    وفي موجة لجوء ثالثة طبعتها إجراءات قانونية تنظيمية، خاصة الفترة ما بين نهاية حرب الريف والحرب العالمية الثانية، بات هؤلاء أقل أهمية وحاجة لمَّا تم تعويضهم بمغاربة في ما كانوا يقومون به من مهام. لتظل رغم ذلك منطقة وهران بدينامية هجرة ولجوء قوي صوب وجدة، التي انتقل عددهم بها من ثلاثة آلاف خلال عشرينات القرن الماضي إلى حوالي خمسة آلاف خلال الثلاثينات منه.

    أما في موجة أخيرة امتدت حتى استقلال المغرب وورد أنها شملت بالدرجة الأولى عمالاً باحثين عن العمل، فإن وجدة التي كانت أهم وأقرب وجهة انتقل عدد المهاجرين اللاجئين الجزائريين بها من حوالي تسعة آلاف إلى حوالي أربعة عشرة ألفا مع بداية الخمسينات، علما أن ما حصل ارتبط بحرب استقلال الجزائر 1954 بحيث من لجؤوا واستقروا بالمغرب قُدر عددهم بالآلاف.

     

    وغير خاف تاريخياً عن باحث ومؤرخ ومهتم بالبلدين أن أعيان الغرب الجزائري طلبوا نجدة المغرب بعد الغزو الفرنسي للجزائر 1830، بحكم علاقة تاريخ وعامل قرب ومشترك إسلامي، وأن وفداً عن تلمسان انتقل إلى المغرب لملاقاة السلطان عبد الرحمن بن هشام خلال غشت من السنة نفسها، ثم آخر للغرض نفسه خلال شهر شتنبر، قبل حصول قناعة بإحداث منصب خليفة للسلطان بتلمسان، أثار غضب الطرف الفرنسي الذي هدد بغزو المغرب في حال عدم سحب قواته وممثليه، ما ارتآه نهجاً وانتهى إليه ربيع 1831.

    وكان أهالي تلمسان قد اختاروا بيعة سلطان المغرب، على أساس ما كان من روابط دينية وقبلية واجتماعية واقتصادية وثقافية، فضلاً عن نفوذ صوفي مغربي غرب الجزائر منذ أوائل القرن التاسع عشر. مع أهمية الإشارة إلى أن السند الشرعي في عمل انضمام وبيعة لم يكن كافياً لانعدام قدرة حماية مكسب وبادرة، وأن إنهاء تعاقد من قِبل فرنسا وبشكل سريع يعني أن عنصر القوة وعمل الدبلوماسية كانا من آليات تحديد إطار سياسة دولية وترتيب علاقات.

    وعلى إثر ما شهدته المنطقة من تطورات ارتبطت بدعم المغرب لثورة الأمير عبد القادر، فضلاً عما ترتب بعد واقعة اسلي من أثر، لجأ عدد كبير من الجزائريين صوب المغرب خوفاً من كل اضطهاد فرنسي، مستفيدين من حق لجوء واستقرار ضمن حسن جوار ورابط دين، ناهيك عما قدمته قبائل المغرب الشرقي، بما في ذلك قبائل تازة، من دعم وإمداد للمقاومة الجزائرية في شخص الأمير عبد القادر، خاصة بعد معاهدة مغنية 1945.

    وإذا كان لجوء الجزائريين إلى المغرب قد بدأ منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر، فإن من جملة ما تأسس عليه خيارهم كون العيش في بلد يحكمه غير المسلمين أمر غير ممكن. وعليه، بعد حوالي السنتين عن احتلال الجزائر، كانت هناك جالية جزائرية لاجئة بالمغرب من مدينة الجزائر بتطوان ومن وهران ومستغانم بوجدة وتازة ومن تلمسان بفاس، علماً أن عدداً هاماً من أعيان الجزائر من وهران اختاروا فاس وجهة لهم، تبعتهم قبيلة “هاشم” و”بني عامر” التي انتقلت إلى المغرب في إطار لجوء مؤقت.

    ولشدة ما تعرضت له قبائل الجزائر من ضغط فرنسي بمنعها من دعم الأمير عبد القادر، اضطرت بطون عدة منها للرحيل إلى المغرب عام 1845، مثلما حصل مع “ولاد ابراهيم” و”ولاد سليمان” و”ذوي عيسى” و”ولاد عيسى” و”ولاد بلاغ” و”ولاد خليفة” و”المهاجة” و”جعفر بن جعفر”، وغيرهم من منطقة بلعباس.

    ولعل من أسباب لجوء الجزائريين إلى المغرب، خوفهم مما قد يتعرضون له من تضييق ديني ومساس بتقاليدهم وثقافة عيشهم، معتقدين أن لجوءهم يبقى أمراً مؤقتاً إلى حين جلاء الفرنسيين عن بلادهم. إنما بعدما تبين أن الاحتلال بات أمراً واقعاً لا يبدو أنه سينتهي، عاد جزء منهم إلى الجزائر واختار جلهم البقاء في المغرب، علماً أن حركة هؤلاء تجاه المغرب كانت قائمة منذ زمان، خاصة أهل تلمسان في علاقتهم بفاس العاصمة.

    وحصل أن لجأ مئات التلمسانيين مطلع القرن الماضي إلى المغرب بطريقة سرية وغير سرية، ما كان له صدى في الصحافة الفرنسية مصادفاً لاحتجاجات ضد قانون التجنيد الإجباري تناوله البرلمان الفرنسي آنذاك.

    وبقدر ما كان لهذا اللجوء من أثر في طبيعة العلاقة الإدارية والسياسية الفرنسية الجزائرية، بقدر ما كان له وقع ضمن إطار إسلامي لكونه جاء رفضاً للاحتلال. وكان لجوء الجزائريين منذ بداياته إلى المغرب موضوع تعليمات سلطانية، تضمنت حسن استقبالهم أينما نزلوا عملاً بروح التضامن والتكافل والتعاون. ومن الرسائل السلطانية، نذكر تلك المؤرخة في 11 جمادي الأولى 1254ه التي من جملة ما ورد فيها: “إن أهل الجزائر ناس غرباء أخرجهم العدو الكافر من أرضهم ووطنهم والتجؤوا إلى إيالتنا واستظلوا بظل عنايتنا، فينبغي لنا أن نؤنس وحشتهم ونعاملهم بما ينسيهم غربتهم لأنهم إخواننا في الدين”.

    وفي علاقة بهذا اللجوء بعد احتلال فرنسا للجزائر وما حصل من تضييق وتجاوز وخوف، وحول ما تلقاه اللاجئون من حسن استقبال وعون والتفات سلطاني وشعبي زمن عبد الرحمن بن هشام، ورد أن من محاسن هذا الأخير ما سنه لفائدتهم كل سنة من مؤونة قمح قدرت بخمسمائة مد إضافة لخمسمائة مثقال، فضلاً عن صلة الرحم في الأعياد، سواء مع أشرافهم أو عوامهم. بل أمر ولاته بتوقيرهم واحترامهم وعدم مؤاخذتهم بأية كلفة مخزنية ولا مغرمة إحساساً بهجرتهم وتغربهم عن وطنهم، ما استمر العمل به طيلة فترة حكمه وحكم خلفه حتى عهد السلطان الحسن الأول.

    وكانت سلطات فرنسا بالجزائر أكثر انشغالا بما حصل من هجرة ولجوء حتى مطلع القرن الماضي لأسباب عدة، منها ما هو أمني خاص بمستعمرتها وما قد يترتب عنه من تأطير وتعبئة وردود فعل تجاه الاحتلال. ومن هنا ما كان عليه الأمر من حساسية وتخوف، وبالتالي من إجراءات للتخفيف منه إن لم نقل للحد منه، ناهيك عما تمت مراعاته من أثر لهذا اللجوء ضمن رؤية فرنسية كنزيف في علاقته بنقص اليد العاملة المعتمدة في أنشطة عدة وخدمات.

    وحول وجهات لجوء الجزائريين داخل المغرب، كانت وجدة أول قبلة بل قاعدة لأهم جالية جزائرية به، ما قد يكون سبب ما تعرضت له المدينة من ضغط فرنسي، وبالتالي ما أدى إلى واقعة اسلي وما حصل من تطورات إلى غاية احتلالها 1907.

    بعدها نجد كلاً من تطوان التي حلت بها أعداد هامة من الأسر الجزائرية منذ 1830، ثم فاس التي استقبلت هجرة جزائرية عبر فترتين بين 1830 و1842، وقد شملت أسراً من الغرب الجزائري، خاصة تلمسان ووهران ومعسكر، بحوالي خمسة آلاف مهاجر معظمهم علماء وشرفاء، ثم بين 1842 و1844 إثر صدور فتوى تسمح بهجرتهم ولجوئهم. وكان عدد هام من أسر مدن تلمسان ومعسكر ومستغانم قد انتقل إلى فاس، منها من استقرت وهي في طريقها إليه بكل من وجدة وتازة. وقد ورد أن فاس باتت غير قادرة على استيعاب أعدادهم، مما دفع السلطان إلى السماح لهم بالإقامة خارجها.

     

    وبحكم موقع وتماس الحدود وطبيعة العلاقة، توافد على وجدة أكبر عدد من اللاجئين الجزائريين قبل فرض الحماية على المغرب، وما كانوا عليه من دور في دينامية المدينة جعلهم بموقع خاص فيها وبوقع تقوى أكثر إثر ما حصل من لجوء باتجاهها بعد احتلالها إلى درجة أن عدد اللاجئين الجزائريين المقيمين بوجدة عام 1907 بات يشكل تقريباً خمس (1/5) ساكنتها. بل تسجل الدراسات أن هذه المدينة الحدودية كانت تحتضن أواسط ثلاثينات القرن الماضي أكثر من نصف عدد الجزائريين المقيمين بالمغرب (57,5%).

    أما من قصد منهم فاس وكان بحوالي خمسة آلاف، فمعظمهم من مدن تلمسان ومعسكر ووهران ومستغانم، أي من الغرب الجزائري. وفضلاً عن توفرهم على نقيب كان يتولى بعض شؤونهم وتدبير خلافاتهم وترتيب صلتهم وتواصلهم مع السلطات، منهم من التحق بالعمل في دار المخزن مثل أسرة “المقري”، ومنهم من اختار التجارة والكتابة والتوثيق والنسيج والخرازة والمقاهي وغيرها.

    ومن الأسر الجزائرية اللاجئة التي اختارت فاس وجهة لها بعد واقعة إسلي، نجد “ولاد بن منصور”، ومنهم مؤرخ المملكة عبد الوهاب بن منصور، ثم “ولاد المقري” و”ولاد بن حربيط الحسنيين” و”ولاد بن عبد الجليل” و”ولاد بن الأعرج السليمانيين” و”ولاد بوطالب”، والغبريطيين والمشرفيين والمراجيين والخالديين والمازونيين والبوسعيديين الوادغيريين…، مع أهمية الإشارة إلى أن من الأسر الجزائرية من سكنت مدن الرباط وتطوان ومراكش مثل “ولاد بنونة” و”ولاد داود” و”ولاد جباص” وغيرهم.

    وكانت فاس قد استقطبت ثلاثمائة أسرة من بلاد توات مطلع القرن الماضي، وضمن موجة لجوء جزائرية ثانية بعد احتلال وجدة، نجد قضاة وإداريين ومدرسيين وغيرهم. وقد بلغ عدد الجزائريين بالمغرب بعد الحرب العالمية الثانية حوالي أربعين ألف لاجئ، موزعين على مدن وجدة وفاس والدار البيضاء ومكناس والرباط ومراكش وتطوان وغيرها. ويُذكر أن من أشكال دعم وحضن هؤلاء ومؤازرتهم، وبخاصة الفقراء منهم، تحبيس مغاربة لبيوت عليهم وجعلها رهن إشارتهم كما حصل بتطوان.

    ومما احتوته رسائل مخزنية لفائدة هؤلاء كلاجئين، ما ورد حول حريتهم في اختيار ما يناسبهم من مهن. ومن هنا ما حصل من اندماج وما كانوا عليه من إسهام في الاقتصاد والثقافة والحرف وغيرها، شأنهم شأن المغاربة دون أية عزلة ولا تهميش، بل منهم من كانت له أدوار هامة في مهام مخزنية.

    ولتقوية موقعهم ومكانتهم وتفاعلهم، أقدموا بفاس على مراسلة السلطان محمد بن عبد الرحمن عام 1885 رغبة منهم في تعيين من ينوب عنهم، ما تم قبوله ليتم تعيين أول نقيب لهم “أحمد بن عبد الله بن منصور”، والشيء نفسه حصل بمدينة وجدة وغيرها من مدن المغرب المحتضنة لهم.

    وكان هؤلاء اللاجئون بالمغرب ينضوون في جمعيات بمدن الإقامة، ما انبثقت عنه فدرالية خاصة بهم نهاية ثلاثينات القرن الماضي كإطار اهتم بشؤونهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها. ويسجل أن لجوء هؤلاء تجاه المغرب في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية تضاعف تقريباً أربع مرات، وأن غالبية من كان مقيما منهم بفاس انخرط في حزب الاستقلال، وهو ما شكل جسراً عبر عليه تيار الوطنية بين شرق البلاد وغربها وجعل بعض هؤلاء من قادة الحركة الوطنية الجزائرية بالمغرب.

    وقد استقبلت تازة التي تتوسط المجال بين وجدة وفاس، كغيرها من مدن شرق وشمال المغرب، عدداً من هؤلاء، فكان ما كان من تضامن وعيش مشترك أبان عن عمق التآزر والحضن ما يزال عالقاً في ذاكرة أهالي المدينة، خلافاً تماماً لما كانت تروج له الآلة الاستعمارية آنذاك حول العداء بين الشعبين وحول دور هؤلاء في إنجاح مخطط احتلالها للمغرب.

    فالرواية الشفوية بتازة ومنها لمغاربة من أصول جزائرية تتحدث على أن من حل بتازة من مهاجرين لاجئين كانوا بحضن رفيع، لِما حصل من اندماج وانخراط في أنشطة عدة ضمن تفاعل مع أحوال الأهالي والمجتمع والاقتصاد والسياسة والثقافة، فضلاً عما كانوا عليه من تنظيم وتلاحم بينهم وبين الآخرين، ناهيك عما كان من انسجام لهؤلاء وسط الأهالي ضمن عيش مشترك وتزاوج وتجاور وأمن واطمئنان دون أي تمييز، بحيث كانوا يسكنون بمختلف أحياء المدينة العتيقة، ومنهم من مارس أنشطة تجارية وحرفية، ومنهم من زاول وظائف تربوية تعليمية وإدارية إسوة بإخوانهم المغاربة.

    وفي علاقة بتازة، نذكر من الأسر التازية “المقري”، وهي من أصول جزائرية وممن هاجرت إلى فاس أواسط أربعينات القرن التاسع عشر، إما حفاظاً على دينها ووطنيتها أو خوفاً مما كان يهدد مصيرها. ومن الأسر التازية ذات الأصل الجزائري التي انتقلت إلى فاس نجد “المراحيون” وكان ابناؤهم بتازة، وكذا أسرة “المازونيين” ومنهم القائد أبو بكر الناصري المازوني الذي تولى رئاسة الجيش المغربي بتازة زمن السلطان محمد بن عبد الرحمن.

    وفي علاقة بدرجة اندماج من لجأ إلى تازة من الجزائريين وأقام بها، نذكر أن بالمدينة مدرسة شهيرة تحمل اسم خالد بن الوليد، وتعرف أيضاً بمدرسة “كون كودير”، في الأصل كانت جزء من ثكنة عسكرية زمن الحماية وحملت اسم ضابط عسكري فرنسي “coudert” إلى غاية سنة ألف وتسعمائة واثنين وستين. فتحت أبوابها في ثاني أكتوبر ألف وتسعمائة وأربع وأربعين، وكان أول مدير لها من أصل جزائري ممن استقر بتازة وقد عرف بـ”الجيلالي” كما يذكره ويحفظه أرشيف المؤسسة.

    وفي إطلالة على بصمات تموقع وتفاعل بعض من كان مقيما بتازة من الجزائريين خلال فترة الحماية وبعد الاستقلال حتى سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وإلى حين دراسات شافية تاريخية ثقافية واجتماعية وفق نهج وتتبع ومقاربة وتوثيق وتحليل…، من المفيد الإشارة إلى أن من الموقتين الذين ارتبطوا بجامع تازة الأعظم، هناك الشيخ العلامة الزاهد “عبد الرحمن الهاشمي المعسكري”، نسبة إلى منطقة معسكر بالجزائر، نزيل تازة الذي أخذ عن عدد من العلماء والفقهاء وكان معتكفاً تقريباً في غرفة التوقيت، نادراً ما كان يخرج منقطعاً لعبادة الله حتى وفاته ساجداً في إحدى ليالي شهر رمضان، وقد دفن في صحن الجامع قبل حوالي مائة سنة.

    وفي شأن الترفيه، نذكر أن من أولى مقاهي تازة واحدة كانت تعرف في ساحة أحراش بمقهى “عباس”، نسبة إلى شخص من أصول جزائرية، وقد ظلت تعرف بهذا الاسم إلى عهد قريب.

    ومن حرف المدينة التي طبعت دينامية هذه الساحة التاريخية وتقاسمت أركانها، نجد التصوير، واحداً من محلاته كان يحمل اسم “استوديو الشباب”، وهو لجزائري ظل نشيطا حتى نهاية سبعينات القرن الماضي.

    وضمن أنشطة الترفيه والثقافة من تدبير جزائريين، نجد “السينما”، من خلال مقيم جزائري مالك لإحدى أقدم دور السينما بالمدينة “سينما كوليري”، وكان يحمل اسم “مومن”. بل من هؤلاء من استثمر في مجال النقل “حافلات” كما بالنسبة لجزائري عرف بـ”المنكًشي”.

    ومن الفاعلين السياسيين من أصول جزائرية، نجد “عزوز جريري” الذي تحمل مسؤولية رئاسة المجلس البلدي لتازة لفترة، وكان بطبع وتاريخ وكاريزما خاصة. ناهيك عن آخرين إن خلال فترة الحماية أو بعد استقلال البلاد ممن مارسوا مهاما أخرى من قبيل التعليم والإدارة وغيرها، وفي ذاكرة المدينة كثير مما يحيل من أسماء أسر على لحظة لجوء وانتماء جزائري من قبيل “الوهراني” و”التلمساني” و”المقري” و”الرحماني” وبنصاري وبن عصمان والعباسي والحجوي…، بعض فقط من كل حول إرث رمزي بين بلدين شقيقين على امتداد حوالي قرن ونصف قرن من زمن معاصر، حيث وقع زمن وإنسان وجوار وحضن وتقاسم ووجدان…

    إرث رمزي معبر واسع إذن يملأ ذاكرة بلدين جارين، ومن خلالهما روح إنسان ومجال وتماس…، فضلاً عما هناك من أنماط عيش وتقاليد وعادات وتعبير وقرابة بزمن وصل وفعل وتفاعل، ناهيك عن ملاحم تضامن وحضن منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر إثر ما حصل من غزو أجنبي وصدمة وصِدام وأطماع وعبث ببنية ماض وتراب بلاد وعباد.

    ولعل من شأن ما هو كائن من تلاقح أزمنة بين البلدين ومن مشترك رمزي تاريخي شاهد، وما هناك من بعد نظر ونبل عمل باحثين مؤرخين يروم غدا بوقع موارد زمن، أن يسهم بدور الرافع لحاضر البلدين ومستقبلهما، ماتحاً مستلهما ومنتقيا مستثمراً لِما هو مشرق من جوانب في ماضيهما، وكذا من مساحة تآزر ودفئ وتعاون وتضامن وحضن معبر، من لحظاته ما حصل من لجوء في هذا الاتجاه أو ذاك خلال فترات الشدة والحاجة.

    يبقى بقدر ما هناك من علاقات وما طبعها لعقود من الزمن بكل أسف شديد، خلافاً لِما كان ينبغي أن يكون من وحدة مصير ورؤية وجمع وتجميع وتعاون منذ الاستقلال، وبقدر ما هناك من مشترك تاريخي ووطني فضلاً عن جوار وقرابة ودين ولغة وثقافة عيش…، بقدر ما هناك من حاجة لوعي أكثر وأعمق وأصدق بما هو رمزي تاريخي جمعي موحد مُحكِّم وجامع، في أفق واقع وراهن ومستقبل أفضل قيل حوله كثير بين رجال الدين والفكر والثقافة والسياسة والإعلام…، فأي دور تحث إشراف مؤسسات وهيئات في عدة مجالات عن البلدين، من شأنه تناول ما هناك من تعثر من خلال روح ذاكرة ومشترك، لتجاوز ما يجب وتصحيح ما ينبغي وإعادة النظر فيما كان بأثر في دوام أزمة، لا شك أنها عائق لتطلعات بلدين وشعبين شقيقين جارين، أكيد أن الذي يجمع بينهما من موارد زمن وحضارة وإنسان أكثر من ذاك الذي يفرق.


    الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة وطنية | orientplus.net

    تعليقات الزوّار

    أترك تعليق

    من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.