25 عاما من الحكم: طنجة المتوسط والناظور غرب المتوسط والداخلة الأطلسي..موانئ كبرى تُغيّر وجه المغرب
ترجمت الإرادة الملكية في تجهيز البلاد ببيات تحتية مينائية كبيرة إلى إنجازات كانت لها آثار كبيرة على الاقتصاد المغربي. وهكذا، منذ دخوله الخدمة سنة 2007، سجل ميناء طنجة-المتوسط أرقاما قياسية، حيث أصبح الآن ضمن أفضل 20 ميناء في العالم. وسيليه قريبا ميناء الناظور غرب المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي، وهما ميناءان يعدان بتعزيز مكانة المغرب كقطب بحري وقوة اقتصادية إقليمية.
منذ بداية عهده، جعل الملك محمد السادس من تطوير البنيات التحتية المينائية أولوية استراتيجية، والنتائج الباهرة لم تتأخر في الظهور. إن أهمية هذا التوجه، المتمثلة في الاستراتيجية الوطنية للموانئ في أفق 2030، والدقة في تنفيذها، بوّأت المغرب مكانة مرموقة إقليميا ودوليا، مما جعل تجربته نموذجا يحتذى به.
وهكذا، مكنت هذه الإنجازات المملكة من التنافس مع الدول الكبرى في مجال الموانئ، ومن شأن المشاريع قيد الإنجاز حاليا أن تزيد من تعزيز مكانتها كقطب بحري وقوة اقتصادية إقليمية.
وأول إنجاز كبير في هذا المجال هو المركب المينائي طنجة-المتوسط، المكون من 3 موانئ أقيمت على مساحة 1000 هكتار: ميناء طنجة-المتوسط 1، وميناء المسافرين والشاحنات، وميناء طنجة-المتوسط 2. منذ دخوله الخدمة في عام 2007، استمر المركب المينائي في التطور محققا أداءات استثنائية.
وهكذا، «يعد ميناء طنجة-المتوسط اليوم كواحد من أهم الموانئ في العالم»، وفق ما أكده الخبير الاقتصادي إدريس إيفينا، في تصريح هاتفي لـLe360، مشيرا إلى المساهمة الكبيرة لهذا القطب الرئيسي في الربط البحري للمملكة والاقتصاد الوطني في كليته.
ومن بين المظاهر الواضحة لهذا التأثير الإيجابي على اقتصاد البلاد، أشار هذا الاقتصادي بشكل خاص إلى «التأثيرات الهامة للغاية في ما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر»، مع إنشاء شركة صناعة السيارات الفرنسية «رونو» وتكوين نظام بيئي كامل لصناعة السيارات، بالإضافة إلى العديد من الفاعلين الأجانب الآخرين الذين يستهدفون التصدير. وقد أدى ذلك إلى تطور سريع للنسيج الصناعي في المنطقة وزيادة استثنائية في خلق فرص الشغل.
ولهذا، فالمركب المينائي طنجة-المتوسط من يوفر مزايا عديدة، ولا سيما موقعه بالقرب من مضيق جبل طارق، وهو المعبر الرئيسي للتجارة بين إفريقيا وأوروبا. وأوضح لمتحدث أن «طنجة-المتوسط يتمتع بميزة كونه يقع على أهم الطرق البحرية العالمية».
طنجة-المتوسط ضمن قائمة أفضل 20 ميناء في العالم
كما أن هذا الميناء يتمتع أيضا بميزة أخرى وهي الاتصال البحري الواسع مع 180 ميناء و70 دولة، وقدرة معالجة كبيرة تبلغ 9 ملايين حاوية نمطية، و7 ملايين مسافر، و700 ألف شاحنة، ومليون مركبة. وبذلك يضم الميناء 4 محطات للحاويات ومحطتين للمركبات، إحداهما مخصصة لمجموعة «رونو».
ونظرا لتطور القوي، فإن المركب المينائي على وشك استخدام طاقته الكاملة للحاويات. ففي نهاية عام 2023، تجاوز إجمالي 8.61 مليون حاوية نمطية تمت معالجتها، بزيادة قدرها 13.4% مقارنة بعام 2022، أو 95% من طاقتها الإسمية. يشار إلى أنه تم تحقيق هذا الأداء قبل أربع سنوات من الأهداف المحددة، وهذا ما سمح لهذا المركب المينائي بأن يصبح ضمن أفضل 20 ميناء من بين 500 ميناء للحاويات في العالم، وفقا لتصنيف «Alphaliner»، وهو مكتب تحليل بحري يقدم معطيات وتصنيفات بشأن النقل البحري للحاويات.
وبالتالي، يعد ميناء طنجة-المتوسط الميناء رقم واحد في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، متفوقا بفارق كبير على موانئ ديربان (جنوب إفريقيا، 4 ملايين حاوية نمطية)، وفالنسيا (إسبانيا، 5 ملايين حاوية نمطية) والجزيرة الخضراء (إسبانيا، 4.7 مليون حاوية نمطية). وهو الآن ينافس موانئ لونج بيتش (كاليفورنيا، الولايات المتحدة)، ولايم تشابانج (تايلاند)، وكاوشيونغ (تايوان).
ولم ينته الأمر بعد: سيتم توسيع هذا المركب المينائي قريبا. فقد أطلقت السلطة المينائية طنجة-المتوسط مخططا استثماريا بقيمة 7 مليارات درهم (650 مليون أورو) لتوسيع قدرة محطة المسافرين والشاحنات وتحديث منطقة الاستيراد.
وسيغطي هذا المشروع، الممول جزئيا بقرض من البنك الدولي، مساحة تبلغ حوالي 63 هكتارا، مما يزيد من قدرة معالجة الشاحنات بالميناء إلى أكثر من مليون وحدة. ومن المقرر أن يتم الانتهاء من الأشغال في نهاية عام 2026.
ميناء الناظور غرب المتوسط، لاستغلال الإمكانات الاقتصادية للشرق
مشروع البنية التحتية الرئيسي الثاني للموانئ المندرج في إطار الاستراتيجية الوطنية للموانئ هو ميناء الناظور غرب البحر الأبيض المتوسط. وهو مشروع يهدف إلى استغلال الإمكانات الاقتصادية للناظور والمنطقة الشرقية بأكملها، من خلال جذب استثمارات أجنبية مباشرة مهمة. وشكل انطلاق بنائه في عام 2017 خطوة كبيرة إلى الأمام في دينامية إنشاء منصات مينائية ولوجستية في المغرب.
وقد تطلب هذا المركب المينائي والصناعي والطاقي الكبير، الذي من المقرر أن يدخل في الخدمة خلال عام 2025، استثمارا بقيمة 10 مليارات درهم. وسيشمل مناطق صناعية ولوجستية وخدماتية، بالإضافة إلى محطة للحاويات ومحطة للنفط وغيرها من المرافق المخصصة لتسريع النمو الاقتصادي للمنطقة الشرقية.
وسيكون لميناء الناظور غرب المتوسط قدرة معالجة سنوية تبلغ 3.4 مليون حاوية نمطية (سيتم تعزيزها لاحقا بقدرة إضافية تبلغ 2 مليون حاوية نمطية)، و25 مليون طن من المحروقات، و7 ملايين طن من الفحم، و3 ملايين طن من مختلف السلع الأخرى. وستدار محطة الحاويات الشرقية، التي من المقرر أن تدخل الخدمة سنة 2027، من قبل مرسى المغرب، التي ستخصص ميزانية استثمارية تزيد على 2 مليار درهم.
التخطيط لإحداث محطة غاز
ومن المقرر أيضا إحداث محطة غاز في ميناء الناظور غرب المتوسط. وهذا ما نص عليه بروتوكول اتفاق استراتيجي موقع يوم 26 مارس 2024 بين وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة التجهيز والماء ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة لإطلاق خارطة طريق البنية التحتية للغاز.
ويهدف هذا البرنامج، الذي سيمتد على مدى عدة سنوات، إلى تزويد المملكة بعدة نقاط دخول لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى البنية التحتية لتخزين الغاز الطبيعي ونقله.
ويهدف المشروع على المدى القصير إلى دعم خطوط أنابيب الغاز التي تربط أحواض إنتاج الغاز المحلي بالمستهلكين، فضلا عن تطوير محطة للغاز الطبيعي المسال بميناء الناظور غرب المتوسط وخط أنابيب جديد للغاز لربط المحطة بخط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي.
الداخلة الأطلسي: أهداف التنمية الجهوية
المنشأة الكبيرة الثالثة في الاستراتيجية الوطنية للموانئ هي ميناء الداخلة الأطلسي. سيضخ هذا المشروع الضخم، الذي يتم بناؤه حاليا على ساحل المحيط الأطلسي، قدرات جديدة من شأنها تعزيز العرض المينائي للبلاد ينضاف إلى مينائي طنجة-المتوسط وميناء الناظور غرب المتوسط. بالنسبة للخبير الاقتصادي إدريس إيفينا، سيكون «قطبا لوجستيا مهما للغاية من شأنه أن يخلق ديناميات اقتصادية قوية في جنوب المملكة». وبالتالي فإنه سيحقق أهداف التنمية الجيواستراتيجية والإقليمية والأهداف الخاصة بقطاع صيد الأسماك.
ويندرج مشروع ميناء الداخلة الأطلسي في إطار برنامج مندمج يهدف أيضا إلى إحداث منطقة للأنشطة الصناعية السمكية وتطوير منطقة صناعية ولوجستية جديدة بالقرب من الميناء وغير ذلك.
وسيساهم المشروع، الذي تبلغ استثماراته الإجمالية 12.6 مليار درهم، في دعم التنمية الجهوية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية في كافة القطاعات الإنتاجية، وتزويد المنطقة بأداة حديثة ولوجستية ترقى إلى مستوى طموحاتها التنموية. ويتعلق الأمر أيضا بالاستفادة من فرص الملاحة البحرية في غرب فريقيا وتثمين موارد المنطقة من خلال إنشاء البنية المينائية والمساحات الصناعية، وتوفير أفضل الظروف للقدرة التنافسية لقطاع صيد الأسماك.
وسيتضمن ميناء الداخلة الأطلسي حوضا تجاريا مزودا بمحطة نفط وحوض صيد ساحلي وفي أعالي البحار الذي سيؤمن مرور ما يقرب من مليون طن من المنتجات البحرية وحوض لإصلاح السفن.
ميناء مندمج في الرؤية الملكية للواجهة الأطلسية
وسيكون الميناء قادرا على التعامل مع نحو 35 مليون طن من البضائع سنويا في المرحلة الأولى، ونحو 8 ملايين طن إضافية في المرحلة الثانية، بعد توسيعه. وفضلا عن ذلك، فإن السمة الرئيسية لهذا المشروع الضخم، الذي سيدخل الخدمة في نهاية عام 2028، هي أنه ينخرط في الرؤية الملكية للواجهة الأطلسية.
وصرحت نسرين إيوزي، مديرة مشروع ميناء الداخلة الأطلسي قائلة: «ميناء الداخلة الجديد يندرج في قلب الرؤية الملكية للواجهة الأطلسية. إن الميناء سيعمل على تعزيز التواصل مع دول غرب إفريقيا وسيكون نقطة ربط لدول الساحل التي لا تملك واجهة بحرية».
وأكدت أن البنية التحتية المينائية واللوجستية لهذا الميناء الجديد، الذي أنجزت أشغاله بنسبة 20%، ستكون مفتوحة أمام هذه البلدان. وأضافت: «سيعمل أيضا على تقوية التدفقات لزيادة القدرة التنافسية للموانئ في إفريقيا والمغرب على وجه الخصوص».