24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية في مجال تكنولوجيا الدفاع تراهن على المغرب لتوسيع وجودها عبر إنشاء وحدة إنتاج صناعي
في خطوة تؤكد التحوّل العميق الذي تعرفه الشراكة بين المغرب والولايات المتحدة في المجال الدفاعي، تعتزم شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية، العملاق العالمي في مجال تكنولوجيا الدفاع، توسيع وجودها في المغرب عبر إنشاء وحدة إنتاج صناعية، بشكل يعكس انتقال هذه العلاقة من مجرد توريد للأسلحة إلى بناء صناعة محلية مستدامة مرتبطة بسلاسل التوريد العالمية.
هذه الخطوة، التي وُصفت في أوساط المهتمين بالتحول النوعي، تأتي في سياق توسع المغرب في منظومة الصناعات العسكرية المحلية، وحرصه على تموقعه كفاعل صناعي واستراتيجي على الصعيد الإقليمي والدولي في مجال الدفاع والتقنيات المتقدمة.
وخلال الأسبوع الماضي، حلّت بعثة رفيعة المستوى من “لوكهيد مارتن” بالمغرب، يقودها الجنرال المتقاعد جوزيف رانك، المدير التنفيذي للشركة المكلف بإفريقيا والمملكة العربية السعودية، وقد كان الهدف الرئيسي من هذه الزيارة بحث إمكانات الاستثمار الصناعي المباشر في المملكة، مع تركيز خاص على سلاسل التوريد الدفاعية وسبل إشراك الفاعلين المحليين فيها، وهي نقطة تحوّل محورية في فلسفة التعاون الدفاعي المغربي-الأميركي.
وعقدت البعثة لقاءات رسمية مع عدد من المسؤولين المغاربة المدنيين والعسكريين، قبل أن تنتقل إلى الدار البيضاء، لزيارة عدد من المنشآت الصناعية المتخصصة، في مقدمتها شركات TDM Maroc، Sabca Maroc، Exellia Maroc، وCollins Aerospace RFM، وهي وحدات تنشط في مجال الطيران والدفاع والأنظمة الإلكترونية.
الهدف، كما تم توضيحه خلال الزيارة، هو تعميق إدماج الموردين المغاربة في سلاسل التوريد العالمية الخاصة بـ”لوكهيد مارتن”، وزيادة المحتوى المحلي ضمن المنصات التكنولوجية التي تطورها الشركة، وأيضًا تعزيز القدرات الصناعية والتصنيعية داخل المملكة، بما يخدم التوجه المغربي نحو سيادة صناعية دفاعية.
وفي تصريحات رسمية، قال جوزيف رانك: “علاقتنا مع المغرب تعكس التزامًا مشتركًا بالابتكار، الأمن، والتقدم الاقتصادي، وبينما نواصل تعميق تعاوننا، فإننا نهدف إلى تطوير القدرات الدفاعية للمغرب، وتوسيع الخبرات المحلية، والمساهمة في نمو صناعي واقتصادي طويل الأمد”.
وهذا التصريح لا يحمل فقط بعدًا دبلوماسيًا، بل يكشف عن تحوّل استراتيجي في نظرة “لوكهيد مارتن” إلى المغرب، من كونه زبونا تقليديا إلى شريك إقليمي بإمكانات إنتاجية وتكنولوجية قابلة للتطوير، قادرة على المساهمة في شبكات التوريد الدولية للشركة، خصوصًا في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية وتحديات الاعتماد على إنتاج موضعي.
وبعد محطة الدار البيضاء، انتقلت بعثة “لوكهيد مارتن” إلى العاصمة الرباط، حيث عُقدت اجتماعات مع مسؤولين حكوميين وعسكريين رفيعي المستوى، ركزت على استكشاف فرص جديدة لتعزيز القدرات الدفاعية، وتطوير الكفاءات البشرية المغربية في مجال الصناعات العسكرية، مع مواصلة التموقع الاستراتيجي ضمن أهداف المغرب في بناء منظومة دفاعية وطنية متكاملة ومستدامة.
هذا التوجه المغربي، الذي يقوم على توطين الصناعة الدفاعية، لم يعد مجرد طموح نظري، بل بات سياسة قائمة، مدعومة باستثمارات ملموسة وتوجهات واضحة نحو تكوين يد عاملة متخصصة، وإنشاء بنية صناعية مرتبطة بمراكز البحث والابتكار، مع إرساء شراكات قوية مع فاعلين دوليين، كما هو الحال مع “لوكهيد مارتن”.
ولم تأتِ هذه الخطوات من فراغ، بل هي امتداد لمسار شراكة طويلة الأمد بين المغرب و”لوكهيد مارتن”، حيث تعود أولى مراحل التعاون بين الطرفين إلى عام 1974، عندما تسلمت القوات الملكية الجوية أول طائرة نقل تكتيكية من طراز C-130H من الشركة الأميركية.
ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقة بشكل لافت، إذ أصبحت القوات الجوية المغربية مشغلة لطائرات F-16 Fighting Falcon من إنتاج “لوكهيد”، بالإضافة إلى مروحيات سيكورسكي، وأنظمة رادار متقدمة، وتقنيات للدفاع الجوي المتكامل، جميعها تحمل علامة هذه الشركة العملاقة.
لكن الجديد في هذه المرحلة، هو أن الشراكة لم تعد تقتصر على اقتناء المعدات والأنظمة الدفاعية، بل باتت تتجه نحو نقل التكنولوجيا، وتوطين الإنتاج، والتكوين التقني، ما يجعل من المغرب قاعدة محتملة للإنتاج العسكري والصناعي لشركة “لوكهيد” في إفريقيا وربما في جنوب أوروبا.
وفي السنوات الأخيرة، انخرط المغرب في استراتيجية متكاملة لبناء منظومة دفاعية وطنية مستقلة، تقوم على مقاربة مزدوجة، من جهة، تأمين السيادة الوطنية وتعزيز القدرات القتالية للجيش المغربي في مواجهة التحديات الإقليمية، ومن جهة ثانية، تحويل الاستثمار في الدفاع إلى محرّك تنموي، يساهم في خلق فرص شغل، وتكوين كفاءات، ورفع نسيج الصناعة الوطنية إلى مصاف الدول الصاعدة في هذا المجال.
ولم يكن اختيار “لوكهيد مارتن” لتوسيع استثماراتها في المغرب بمعزل عن هذا السياق، بل هو كما يؤكده المراقبون، اعتراف أميركي رسمي بجاذبية البيئة الاستثمارية المغربية في الصناعات الدقيقة، وبالاستقرار السياسي والأمني الذي يجعل من المملكة شريكًا موثوقًا في منطقة تتسم بعدم اليقين.
ومع التوجه المتسارع نحو إرساء وحدة إنتاج صناعية لـ”لوكهيد مارتن” في المغرب، تتكرّس ملامح مرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين الرباط وواشنطن، تقوم على التكامل الصناعي والاستراتيجي، وليس فقط على منطق التوريد العسكري.
ويبدو أن المغرب، وهو يراكم الاستثمارات في البنية التحتية، والتكوين المهني، والصناعات الجوية والدفاعية، يسير بخطى واثقة نحو التحول إلى مركز إقليمي لإنتاج التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة، في وقت تتجه فيه القوى الكبرى إلى إعادة رسم خارطة شراكاتها الصناعية بعيدًا عن الأسواق التقليدية، وهو ما يعني أنها مرحلة جديدة من الشراكة بمدخل عسكري، ورهان اقتصادي، وأفق سيادي متقدم.
وفي تعليق على الموضوع، اعتبر الخبير في الصناعات الدفاعية والجيوسياسات الأمنية، د. ياسين الفكيكي، أن خطوة “لوكهيد مارتن” نحو توطين الإنتاج الصناعي بالمغرب، تُترجم ما سماه بـ”التحوّل من التبعية الدفاعية إلى السيادة الصناعية المرحلية”، مؤكداً أن “المغرب بات يُعيد تعريف موقعه داخل سلاسل القيمة الدفاعية العالمية، لا فقط كمستورد للمنظومات المتطورة، بل كمُصنّع ومساهم في هندسة القدرات القتالية المستقبلية”.
وأوضح الفكيكي في تصريح خص به “الصحيفة”، أن هذا التطور الاستراتيجي، الذي يربط بين التصنيع المحلي والتكامل الصناعي مع فاعلين أميركيين كبار، هو نتاج رؤية مغربية متقدمة تراهن على تقاطع ثلاثة عناصر هي الاستقلالية الاستراتيجية في مجال التسلح، توطين التكنولوجيا عالية الحساسية، وخلق قيمة مضافة داخل الاقتصاد الوطني من خلال التكنولوجيا العسكرية.
وتابع الخبير قائلاً: عندما تقوم شركة مثل لوكهيد مارتن، التي تُعتبر واحدة من أكبر المُركّبين الصناعيين في العالم، بإدراج موردين مغاربة ضمن شبكاتها اللوجستية العالمية، فهي لا تكتفي بنقل المعرفة، بل تدمج المغرب في دورة تصنيع استراتيجية تمس كل مراحل الإنتاج: من الهندسة الأولية، إلى النمذجة، فالمكونات، فالاختبار، وحتى خدمات ما بعد التسليم”.
وأشار المتحدث، إلى أن السياق الدولي الحالي، المتسم باضطرابات في سلاسل التوريد، وعودة الاعتبارات الجيوسياسية في تقييم الشركاء الصناعيين، يُفسّر هذا التوجه الأميركي المتسارع نحو تموقعات آمنة ومستقرة، معتبرا أن “المغرب أصبح يُشكّل ما يُشبه ‘عقدة لوجستية متقدمة’ في الضفة الجنوبية للمتوسط، بفضل استقراره السياسي وتقدمه في البنية التحتية الصناعية والمهارات التقنية”.
واعتبر أن هذه الخطوة تفتح المجال أمام المغرب لتطوير منظومة إنتاج عسكري ذات بُعد قاري، قائلاً: “نحن أمام منعطف حاسم، المغرب لا يسعى فقط لتقوية منظومته الدفاعية، بل يتجه لبناء قاعدة صناعية قابلة للتصدير نحو إفريقيا جنوب الصحراء، وشريكة في العقود الحكومية لشركات أميركية كبرى. وهذا يضعه في قلب معادلات الأمن الصناعي العالمي”.
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة وطنية | orientplus.net
تعليقات الزوّار
أترك تعليق
من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.
صوت وصورة

ريادة المغرب إفريقيا من حيث شبكة القطارات فائقة السرعة

ندوة علمية تحت عنوان الحكم الذاتي على ضوء تزايد الدعم الدولي

ترامب يدعم الطرح المغربي .. ومأزق جديد للدبلوماسية الجزائرية !

جلالة الملك يُشرف على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز الخط فائق السرعة القنيطرة-مراكش

من بجاية الى أشدود.. حتى في أحلك لحظات غزة الغاز الجزائري لا يعرف المبادئ

الرباط.. تحضيرات كأس أمم أفريقيا 2025 تدخل مراحلها الحاسمة

صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس افتتاح الدورة 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب

يوتلسات تؤكد تورط السلطات الجزائرية في وقف بث قناة المغاربية

الموقف الدولي إزاء الصحراء المغربية يتجه نحو طي الملف نهائيا

التأييد الدولي الواسع لمغربية الصحراء يخلق زخما دبلوماسيا جديدا

الصحراء المغربية.. مولدافيا تدعم مخطط الحكم الذاتي وتعتبره “الأساس الأكثر جدية لتسوية النزاع”
