فرنسا تراهن على عجلة الاقتصاد لتحسين العلاقات مع الرباط.. ووزير الصناعة والتجارة المغربي: المملكة رهان رابح للمستثمرين الأوروبيين والفرنسيين
يراهن المغرب بشكل كبير، على جذب الاستثمارات الأوروبية وخاصة الفرنسية من خلال توفير جملة من الظروف التي تسيل لعاب الشركات الكبرى والمتوسطة الفرنسية للاستثمار في البلد، وفي مقدّمتها اليد العاملة غير المكلفة، فضلا عن الإعفاءات الضريبية، ناهيك عن الإعفاءات الجمركية لعمليات الاستيراد والتصدير، الأمر الذي يراه قصر الإليزيه من جانبه، مدخلا مهما لتحسين علاقاته المتوترة مع الرباط، عقب البرود الدبلوماسي الذي شهدته في السنوات الماضية.
وأقر وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، بأن المغرب وضع صوب عينيه مهمة جذب الاستثمارات الأوروبية و الفرنسية، ولا يدّخر جهدا في ذلك، لافتا في معرض حديثه خلال لقاء مع وفد حركة مقاولات فرنسا (MEDEF)، نظم تحت شعار “تقديم المنصة الصناعية المغربية المعاصرة”، إلى أن الجهود التي تبذلها المملكة لجذب هؤلاء المستثمرين من خلال فتح أسواقها والاستثمار بشكل كبير في البنيات التحتية والخدمات اللوجستية والموارد البشرية للرفع من قدرتها التنافسية.
المسؤول الحكومي المغربي، أكد أيضا بأن الرباط تحافظ على موقعها القريب، ومصداقيتها، واستقرارها، لتثبت أنها رهان رابح بالنسبة للمستثمرين الأوروبيين والفرنسيين، سيما وأن سلاسل القيمة المترابطة بين المغرب وفرنسا تشكل مكونا ثمينا لتنمية البلدين، مشيرا إلى أن التنافسية وإزالة الكربون، اللذين طورهما كل من المغرب وفرنسا بشكل مشترك، يتجاوزان الخيار البسيط ليصبحا ضرورة ملحة، كما سلط الضوء على المزايا التي يتمتع بها المغرب في مجال إنتاج الطاقة المتجددة بتكاليف تنافسية للغاية، لاسيما الهيدروجين والميثانول.
من جانبه، أبرز رئيس المقاولات الفرنسية المجمعة في إطار المدينة المستدامة التابعة لحركة مقاولات فرنسا، جيرارد وولف، التزام مجمعه ببلورة حلول حديثة ومنخفضة الكربون ومتقدمة على المستوى التكنولوجي، مشددا على أهمية إدماج الشباب والنساء في هذه الابتكارات، كما تطرق رئيس بعثة الطاقة التابعة لحركة مقاولات فرنسا والمدير الإقليمي لشركة “Engie North Africa”، لويك جايغرت هوبر، إلى النجاحات التي أحرزتها المنظومات المغربية-الفرنسية في قطاعي السيارات والطيران.
وأشار المسؤول الفرنسي، على هامش اللقاء الذي نظمته وزارة الصناعة والتجارة إلى جانب حركة مقاولات فرنسا، وضم وفدا يتكون من أزيد من 30 مقاولة فرنسية من مختلف القطاعات، ويرمي إلى تعزيز العلاقات مع صناع القرار المغاربة، واستكشاف سبل جديدة للتعاون الثنائي وتحديد فرص الاستثمار، (أشار) إلى تكوين بعثة في إطار الانتقال الطاقي من أجل دعم التنمية الدولية للمقاولات الفرنسية في مجالات الهيدروجين والغاز الحيوي.
وتأمل فرنسا إعادة الدفء إلى علاقاتها مع المغرب، سيما بعدما أرخى الجمود الدبلوماسي على العلاقات التجارية في السنوات الأخيرة، وهو ما عبر عنه وزير التجارة الخارجية الفرنسي فرانك ريستير صريحا بقوله الوقت قد حان “لإنعاش العلاقة”، وذلك عقب زيارته إلى المملكة بعد أسابيع من أخرى أجراها وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه.
وكانت مصادر دبلوماسية، قد أكدت أن الهدف الأساسي من زيارة ريستير إلى المغرب هو “تجديد الحوار الاقتصادي” بعد أعوام من التجاذب على خلفية ملف الصحراء المغربية، لافتا إلى أن العلاقة بين البلدين “مكثّفة بشكل خاص”.، وهو ما بات يظهر جليا من خلال التحركات الحكومية الأخيرة، والزيارات العديدة التي قام بها مسؤولون فرنسيون إلى المغرب.
وبلغت المبادلات بين باريس والرباط مستوى قياسيا في 2023، بتسجيلها 14 مليار أورو، إذ تعد فرنسا أكبر مستثمر أجنبي في المغرب، حيث توجد غالبية الشركات المنضوية في سوق باريس للأسهم، كما أن المغرب هو أكبر مستثمر أفريقي في فرنسا، مع محفظة استثمارية بلغت 1.8 مليار أورو في 2022، مقابل 372 مليون أورو فقط في 2015، كما يُعد المغرب هو أول المستفيدين من تمويلات الوكالة الفرنسية للتنمية إيه إف دي (AFD)، وفق الإدارة العامة للخزانة الفرنسية.
وبعدما أبرزت الأزمات الدولية الأخيرة أهمية أن تكون سلاسل التوريد قريبة جغرافيا ومضمونة، وفق تقرير لوكالة الانباء الرسمية، نقل عن مصدر دبلوماسي أن “المغرب هو شريك مثير للاهتمام لفرنسا” من هذه الزاوية، ويتيح لها القدرة على التمتع بقاعدة خلفية صلبة في بلاد ركّزت خلال الأعوام الماضية على تعزيز الإنتاج الصناعي، خصوصا في مجال الطيران والسيارات.
وكانت كارول ديلغا، رئيسة منطقة أوسيتاني الفرنسية حيث المقر الرئيسي لشركة “إيرباص”، قالت في مقابلة نشرت العام 2023: إن “خلق وظيفة في المغرب يؤدي إلى خلق 1.5 وظيفة في أوسيتاني”، مشيرة إلى أن ذلك “يتيح لنا أن نكون تنافسيين في مجال الطيران”.
وبحسب التقرير ذاته، تنظر فرنسا بإعجاب إلى جهود المغرب في قطاعات الطاقة والمياه والسكك الحديد، إضافة إلى الصحة حيث أطلقت الرباط عملية إصلاح واسعة، كما أعرب وزير التجارة الخارجية الفرنسي فرانك ريستير خلال زيارته المغرب عن استعداد بلاده للاستثمار إلى جانب الرباط في الصحراء المغربية، وهو ما اعتبر نوعا من الاعتراف الضمني بمغربية الصحراء.
وأشار المسؤول الحكومي الفرنسي، إلى أن شركة “بروباركو” التابعة للوكالة الفرنسية للتنمية والمعنية بالقطاع الخاص، يمكن أن تساهم في تمويل خط الجهد العالي بين مدينتي الداخلة والدار البيضاء.
ويضيف تقرير الوكالة أن وزير الخارجية سيحورنيه أكد في فبراير أنه “اختار” الرباط لزيارته الأولى إلى المغرب العربي، مؤكدا في حينه دعم باريس الواضح والمستمر لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب لحل النزاع المفتعل بالصحراء المغربية.