24 ساعة

  • تحت الاضواء الكاشفة

    orientplus

    لماذا يتخوف النظام الجزائري من الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والإمارات؟

    أراء وكتاب

    بنطلحة يكتب: المغرب واستراتيجية ردع الخصوم

    فلنُشهد الدنيا أنا هنا نحيا

    الحلف الإيراني الجزائري وتهديده لأمن المنطقة

    دولة البيرو وغرائبية اتخاذ القرار

    الجزائر.. والطريق إلى الهاوية

    بانوراما

    الرئيسية | الواجهة | البعد الأخلاقي والروحي للرأسمال اللامادي

    البعد الأخلاقي والروحي للرأسمال اللامادي

    لقد أضحت الجامعة الصيفية للطريقة القادرية البودشيشية محطة علمية وفكرية لتأطير الشباب ، والسهر على توعيته وتربيته على الثوابت الدينية : إمارة المومنين، والفقه المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني، من أجل تدارسها، وفهمها والتعمق في ترسيخها وتثبيت مقاصدها في نفوسهم وسلوكهم، وذلك من أجل حفظ شبابنا من كل تطرف وفهم مغلوط للدين، وانجراف نحو التيارات الهدامة.

    وفي إطار هاته  الجامعة نتناول كذلك  بالدرس والتحصيل المناهج الفكرية المعاصرة في شتى مجالات العلوم الإنسانية والكونية، حتى نتمكن من بناء إنسان متوازن في كل أبعاده وجوانبه المادية والروحية والأخلاقية.

    وهكذا يسعى التصوف السني إلى الاهتمام بإصلاح الفرد، باعتباره أساس كل تنمية أو مشروع إصلاحي، وكمدخل أساسي لإصلاح المجتمع، فإذا صلح الفرد صلح المجتمع، ذلك لأن التربية الصوفية تتمحور حول التزكية النفسية لقوله تعالى ( قد أفلح من زكاها )  والإصلاح القلبي والمعرفي والسلوكي كما ورد في حديث المضغة ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) وبذلك فالتربية الروحية والفكر الصوفي يعزز المنظومة  الأخلاقية والروحية والعلمية والدينيةذات الأبعاد الدنيوية والأخروية، وينفرد باعتباره لب الإصلاح ومقام الإحسان، كما ورد في حديث جبريل ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فالتصوف من أهم تعاريفه أنه أخلاق ، فمن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في التصوف، فمن صلب اشتغاله  كذلك موضوع الأخلاق، ذلك لأن التصوف هو التخلق بكل خلق سني وترك كل خلق دني.

    وتتجلى ثمار هذا الإصلاح الإحساني  الصوفي في صلب الحياة ذاتها، إذ يساهم في بناء إنسان متزكى ومسؤول وتنموي، وإيجابي، وفعال، ومرتبط بقيم الصدق والإخلاص والإتقان في الحراك الإصلاحي التطويري لمجتمعه، مسخرا كل إمكانياته الروحية والخلقية والعقلية ومهاراته ومعارفه التخصصية في إنجاح البرامج والمشاريع والمصالح العامة، والانخراط في الأوراش الإصلاحية الكبرى، باعتباره إنسانا صالحا ومصلحا لنفسه ولغيره ولمحيطه.

    يأتي اختيارنا لموضوع الأبعاد الأخلاقية والروحية للرأسمال اللامادي لما له من أهمية قصوى في الظرف الراهن من أجل تدارسه، واستيعاب أبعاده، من خلال التوجهات الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس كما جاء في خطاب العرش الأخير (30 يوليوز 2014)، والتي ركز فيه على مفهوم الرأسمال الغير المادي، كمفهوم جديد ينضاف إلى مفاهيم مستجدة سبقته، مثل مفهوم : ” التنمية البشرية”، و” الإصلاح الديني” ، والمفهوم الجديد للسلطة و” المغرب الأخضر”، والمغرب الأزرق، وغيرها من المشروعات الضخمة، ويأتي هذا المفهوم المعاصر، والقوي، والدينامي والذي سوف نتمكن  به من جرد الثروات الإجمالية لبلدنا العزيز والنهوض بها، وتحقيق الاستراتيجيات الإصلاحية والتنموية المستقبلية، والتي تعيد الاعتبار للعنصر البشري، كرأسمال غير مادي، باعتباره الفاعل الأساسي لإنجاح أي مشروع تنموي وإصلاحي مادي أو معنوي حالي أو مستقبلي.

    إن هذا المفهوم يأتي ليعزز خيار الإصلاح في ظل الاستقرار، نعني بذلك مجتمعا ينعم بالأمن و السلام والوحدة الدينية والمذهبية، تحت رعاية إمارة المؤمنين، وهذا ما يعتبر المقصد الأسمى الذي تقوم عليه التربية الروحية الصوفية من زرع محبة الوطن في القلوب، واتباع أولي الأمر والالتفاف حولهم، والإخلاص في العمل، وبناء الإنسان المسالم الصالح، المصلح لنفسه ومجتمعه، غايته المنشودة استثمار كل هذه القيم والأخلاق الحسنة والحميدة لصالح البلاد والعباد، وبذلك يكتسب بلدنا العزيز المكانة المرموقة والجذابة لرؤوس  الأموال والاستثمارات الكبرى والمهمة والإبداعية، تؤهله ليصبح النموذج الذي يقتدى به.

    إن الإنسان هو جوهر كل تنمية وتطور ونهضة وإصلاح والقلب النابض والمحرك للديناميات الاقتصادية  والسوسيو ثقافية والأخلاقية والمعرفية وغيرها.

    إن الاهتمام بالرأسمال المالي كما ورد في الخطاب الملكي هو دعوة إلى التركيز والاعتماد على معاير محاسبتية  تنظر فيما إذا كانت القيمة الإجمالية للاقتصاد المغربي – يعني الثروة- تتناسب ومستوى التعليم والمهارات والخبرات، ومستوى الإبداع والابتكار، والمجال الثقافي على العموم وقيم العدالة والإنصاف والمساوات وتعكس حالة الاستقرار والأمن الروحي والأخلاقي والاجتماعي للبلاد.

    إن هذا المفهوم يعيد الاعتبار لقيم التضامن والتكافل الاجتماعي والأسري، وهي قيم يعمل التصوف ومؤسسة الزاوية تاريخيا وحاليا ومستقبليا في المغرب على ترسيخها وتنميتها والتربية عليها إلى جانب فاعلي المجتمع المدني، وهي قيم أخلاقية تقلص من هوامش الفقر، ومستويات البطالة، ويتربى عليها الأفراد والمجتمع، كثمرات للتربية الروحية الأخلاقية والتي تربى عليها المغاربة عن طريق المؤسسات الدينية والتربوية، والتي من بينها مؤسسات الزوايا الصوفية المغربية في كل ربوع البلاد.

    ولهذا كان التصوف المغربي والذي هو مكون من مكونات الهوية المغربية – والتي يسهر عليها ويرعاها أمير المؤمنين نصره الله – كان عامل استقرار، وتماسك وتوازن واستمرارية، وإشعاع روحي داخلي وخارجي حتى نعته المتخصصون بأنه ” تصوف أخلاق” وسلوك تضامني، وتقوية لروح الإيثار والمحبة وقيم إنسانية كونية حتى قيل عن قيم السخاء والعطاء “أن الوجود ينفعل بالجود ” (أبو العباس سبتي) والله في عون العبد ما دام الله في عون  أخيه ، كما ورد في الحديث الشريف ويقول النبي (ص) كذلك ‘ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء”، وهذا دليل على أن هذه القيم لها أثر إيجابي على السلم الاجتماعي والأمن الروحي واستقرار البلاد وسعادة العباد ورقي الأمة وازدهارها.

    إن الاهتمام بالرأسمال اللامادي كمفهوم ومنظومة نسقية وثروة لامادية بجميع مكوناتها لا بد لها من منهج نسقي تكاملي دينامي وقيم أخلاقية مصاحبة تحفظ لها عمقها وفعاليتها واستمراريتها في منأى عن كل فكر عدواني تصادمي فئوي ضيق بين شرائح المجتمع ومكوناته المادية واللامادية.

    القادري منير، خريج دار الحديث الحسني
               دكتور في علوم الأديان والتواصل بالسوربون بباريس
    أستاذ بجامعة دوفين باريس، عضو بالمجلس العلمي الأوروبي ببروكسيل


    الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة وطنية | orientplus.net

    تعليقات الزوّار

    أترك تعليق

    من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.