24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
دولة البيرو وغرائبية اتخاذ القرار
تعد المبادئ العامة أهم مكونات القانون الدولي، إذ تمتلك قوة أساسية أدبية وسياسية بالنظر لكونها تؤطر العلاقات الدولية بين الدول والمنظمات.
إنه ورغم وجود نظريات في العلاقات الدولية، تؤكد على الجانب التنافسي والمصلحي، مثل مدرسة الواقعية السياسية، إلا أن جميع الواقعيين لا ينكرون وجود الأخلاق في العلاقات الدولية، وينفون العقيدة الميكيافيلية “أن كل شيء يبرر بمنطق الدولة” (Bull 1995, 189)، إنهم يعطون قيمة عليا للعمل السياسي الناجح القائم على الحصافة، والتي هي القدرة على الحكم على صواب فعل معين من بين البدائل الممكنة على أساس عواقب السياسة المحتملة.
إن الحديث عن الحصافة يجرنا إلى سؤال الاعتراف بمغربية الصحراء وسحبه في ظرف وجيز من طرف رئيس دولة البيرو “بيدرو كاستيو”، حيث انقلب على الموقف الذي اتخذته بلاده التي قررت منتصف شهر غشت الماضي سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية لمرتزقة البوليساريو وقطع جميع العلاقات مع هذا الكيان، حيث أكدت الخارجية البيروفية في بلاغ لها، أن قرار جمهورية البيرو جاء انسجاما مع القانون الدولي المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، والاحترام الكامل لمبادئ السلامة الإقليمية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة… وأن حكومة جمهورية البيرو وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء، تقدر وتحترم وحدة أراضي المملكة المغربية وسيادتها الوطنية، فضلا عن خطة الحكم الذاتي لهذا النزاع.
فجأة ودون مقدمات، انقلب الرئيس البيروفي على موقفه، وأصدر بلاغا كاريكاتوريا وعجائبيا، دون الرجوع إلى المؤسسات البيروفية، مما حدا بوزير الخارجية البيروفي “ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاين” إلى”التنديد بهذا الفعل الصبياني والذي يضرب كل الأعراف الدولية، محتجا على هذا القرار اللامسؤول من طرف رئيس البلاد، وبالمناسبة وزير الخارجية المستقيل، رجل قانون وخبير في مجال تخصصه، ومعروف في الأوساط الأكاديمية والديبلوماسية بحنكته ومصداقيته، وقد أمضى خمسة أسابيع فقط في منصبه، ليكون بذلك رابع وزير خارجية يقدم استقالته خلال أربعة عشر شهرا في دولة البيرو، مما يهدد بخلق أزمة ديبلوماسية في البلاد، ويظهر غرائبية المشهد السياسي في البيرو حاليا، وكيف يستحوذ الرئيس على عملية اتخاذ القرار، وكيف يتم احترام القوانين والمؤسسات..!!
إذا كان “رولان بارت” في كتابه “الدرجة الصفر في الكتابة” يقول: “ليس هناك من نص بريء”، فإن قرار الرئيس البيروفي هو الآخر ليس ببريء، والدليل على ذلك الوثيقة التي سربتها المعارضة البيروفية والتي تكشف السبب الحقيقي لتغيير موقف البيرو من الوحدة الترابية للمغرب، حيث طلب من المغرب منحه 150.000 ألف طن من الفوسفاط مجانا مقابل مقايضة بعدم الاعتراف بمرتزقة البوليساريو، وهو ما لم يستجب له المغرب، على اعتبار أنه تصرف غير مقبول ولا ينبني على أية أعراف أو مبادئ ديبلوماسية، حيث تعمد الرئيس المحسوب على اليسار سلك أسلوب الابتزاز تجاه المغرب.
لقد خلقت هذه المساومة الرخيصة والتهور في اتخاذ القرارات جدلا سياسيا غير مسبوق في الداخل البيروفي، آخر تداعياته، تصريح منسوب إلى رئيسة العلاقات الخارجية في البرلمان البيروفي “ماريا ديل كارمن ألبا”، التي انتقدت بشدة هذا القرار الرئاسي المرتجل، وطالبت من وزير الخارجية “سيزار لاندا” تقديم شرح مفصل لحيثيات القرار المتخذ، وقد أرسلت له استدعاء للمثول أمام البرلمان والإجابة عن الأسئلة ذات الصفة.
لقد أكدت “كارمن” أن “وزارة الخارجية ليست منبرا لتوجهات الرئيس، بل هي التي تعطي الخطوط العريضة لسياسة البيرو الخارجية”، وقالت في معرض حديثها أمام البرلمان: “لا أعرف لماذا اعترف الرئيس بمجموعة من الانفصاليين لديهم أربعين خيمة داخل التراب الجزائري؟”، مضيفة أنه “في وقت من الأوقات، أخذ رئيس البرلمان السابق الكلمة وانتقد بشكل واضح تصريحات “بيدرو كاستيلو” الأخيرة حول الصحراء المغربية، كما عبرت حسب صحيفة “in Fobae” المحلية، عن عدم ارتياحها لخطاب رئيس البلاد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
في نفس السياق، عبر السياسي البيروفي والقيادي في حزب الحركة الشعبية (أكسيونبوبولار) “ريكاردو بورغا” أن البيرو والمغرب تربطهما على الدوام علاقات صداقة متينة، هي أقوى من أن تسيء إليها قرارات إيديولوجية مؤسفة للرئيس بيدرو كاسييو، مضيفا أن هذا الرئيس “يجهل الكثير عن بلد صديق للبيرو مثل المغرب…”، مرجحا ” أنه لا يعرف حتى موقعه الجغرافي فبالأحرى أن يكون مدركا لأهمية المغرب الجيواستراتيجية في العالم”..!!
نعم قدر دولة البيرو أن يتولى مقاليد حكمها رئيس حطم جميع الأرقام القياسية في ما يخص التعديلات الحكومية بأ زيد من 74 وزيرا في ظرف 14 شهرا منذ توليه السلطة، مع العلم أنه متابع أمام القضاء في العديد من قضايا الفساد، ويراهن على الصناديق السوداء للكراغلة من أجل التستر بمساحيق “اليسار” التي سرعان ما ستنمحي.
السيد الرئيس، وأنت الذي يعجبك ارتداء تلك القبعات الكبيرة، أراها تحجب عن عينيك الحقيقة، أزلها رجاء ولو للحظة حتى يمكنك أن تعرف أن الشمس تشرق من أرض الصحراء المغربية، وأن بائعي الوهم الذين تساندهم هم عبارة عن لصوص جبناء ومحتالين… إنهم مثل طائر البوم لا ينعقون إلا في الظلام…