24 ساعة
تحت الاضواء الكاشفة
أراء وكتاب
بانوراما
ندوة فكرية بلشبونة ترصد الأدوار الطلائعية لمعاهدة السلام بين المغرب والبرتغال في إرساء قيم الحوار والتعايش
رصد خبراء وباحثون، مساء أمس الخميس بلشبونة، الأدوار الطلائعية لمعاهدة السلام لسنة 1774 بين المغرب والبرتغال في إرساء قيم الحوار والتعايش، وتأسيس إرث حضاري يخدم بناء علاقة متينة، تقوم على التفاهم واحترام المصالح المشتركة.
وأبرز المشاركون، في ندوة نظمتها أكاديمية العلوم البرتغالية العريقة، بمناسبة الاحتفال بمرور 250 سنة على توقيع معاهدة السلام، الأولى من نوعها بين البلدين، الأسس العريقة المؤسسة للروابط التاريخية بين البلدين، من خلال بسط دلالات هذه المعاهدة التي أسست لهذا الانفتاح والتمازج، وشكلت نموذجا في قيم العيش المشترك والتسامح والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان.
كما سلطوا الضوء على أوجه التلاقح الثقافي واللغوي والاجتماعي والديني بين الحضارتين لاسيما خلال الحضور البرتغالي بالسواحل المغربية، ومرحلة التبادل والاتفاقيات التي توجت بتوقيع السلطان سيدي محمد بن عبد الله والملك جوزيه الأول، على هذه المعاهدة سنة 1774، مبرزين المكانة التي يحتلها المغرب والبرتغال في الذاكرة الجماعية للمغاربة والبرتغاليين، والموروث المشترك بين البلدين والذي يعود إلى حقبة ما قبل الامبراطورية الرومانية التي بسطت نفوذها على منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وفي هذا الصدد، اعتبر الأكاديمي ادريس الكراوي، عضو أكاديمية العلوم البرتغالية، في مداخلة له بهذه المناسبة، أن سنة 1774، أو حقبة السلام الدائم بين المغرب والبرتغال، تمثل بالفعل فترة مفصلية في تاريخ العلاقات بين البلدين، وهما أمتان شكلت ديناميكياتهما السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والحضارية والثقافية الداخلية مساراتهما المختلفة وحددت مواقفهما على الساحة الإقليمية والعالمية طوال القرن الثامن عشر.
وبحسبه، فإن سنة 1774 شكلت مرحلة حاسمة لكل من المغرب والبرتغال، اللذان واجها تحديات داخلية وخارجية مشتركة، مستعرضا التفاعلات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والجيوستراتيجية في تلك الحقبة، وتأثيراتها طويلة الأمد على العلاقات بين البلدين.
واعتبر أن هذا السلام المبكر والتفاهم المتبادل الذي اختاره كلا البلدين كان أساسا لبناء نموذج أصيل من التعاون، تتسم عناصره الرئيسية بالثقة، والمتانة، والاستمرارية، والتجديد المستمر، والتطلع الدائم نحو المستقبل.
وتابع السيد الكراوي، الذي تم تعيينه، أيضا، عضوا في أكاديمية المملكة، أن معاهدة السلام التي وُقعت عام 1774 بين المغرب والبرتغال تُعد لحظة بالغة الأهمية في تاريخ العلاقات الدولية، إذ في وقت كانت فيه الصراعات والمنافسات الاستعمارية شائعة، أتاح هذا الاتفاق إقامة سلام دائم بين أمتين لطالما تباينت مصالحهما وخاضتا الحروب لمدة تجاوزت ثلاثة قرون ونصف.
وأردف قائلا إن هذه المعاهدة تكتسي أهمية جيوسياسية، لما تقدمه من دروس وعِبر يتعين استخلاصها في سياق يتسم بتزايد الحروب الإقليمية وتصاعد التوترات بين العديد من الدول المجاورة، مبرزا أنه من خلال “استخلاص الدروس المستفادة من هذا الاتفاق التاريخي، يمكننا فهم ديناميكيات العلاقات الدولية والدبلوماسية المعاصرة بصورة أفضل، وكذلك معرفة كيفية إدارة الدول لخلافاتها ونزاعاتها”.
من جانبه، قال رئيس أكاديمية العلوم البرتغالية، جوزيه لويس كاردوسو، إن تنظيم هذا اللقاء للاحتفاء بالذكرى 250 على توقيع اتفاقية السلام بين المغرب والبرتغال يشكل مناسبة للوقوف عند عمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين، والقائمة على التفاهم والتعاون والشراكة.
وأضاف رئيس أكاديمية العلوم أن هذا اللقاء يكتسي أهميته ليس لكونه يرصد مسارات التطور في تاريخ العلاقات المغربية البرتغالية على مدى 250 سنة خلت فحسب، بل يستشرف أيضا حاضر هذه العلاقات ومستقبلها، معتبرا أن هذه العلاقات تمر في الوقت الراهن بفترة متميزة من التعاون والشراكة.
ونوه السيد كاردوسو بالعمل الكبير الذي يقوم به الأكاديميون المغاربة إلى جانب نظرائهم البرتغاليين في التنقيب والتعريف بهذه العلاقات وتنميتها وتعزيزها، مشيرا إلى أن هذا اللقاء هو مناسبة للإبحار في ذاكرة التاريخ المشترك بين البلدين، حيث تحتفظ الوثائق التحضيرية لهذه الاتفاقية بعدد من المعطيات التي تبرز عمق هذه العلاقات ومتانتها.
أما المفكر البرتغالي، أونطونيو دياس فارينيا، فقد توقف، بدوره، عند التعايش الثقافي والديني التي عرفته المملكة خلال تلك الحقبة، مؤكدا أن المسيحيين كانت لهم كنائسهم الخاصة، وكانوا يعيشون في سلام إلى جانب المسلمين.
وقال إن “المملكة شكلت نموذجا في التعايش الديني والسلام والانفتاح”، معتبرا أن ذلك يعد من بين أبرز نقاط القوة التي عرفها المغرب خلال تلك الفترة. كما استحضر عددا من الوقائع والأحداث التاريخية التي شهدها المغرب على عهد الشريف أحمد المنصور الذهبي، وكذا السياقات الاجتماعية والسياسية والدينية التي أطرت تدبير السلطان الذهبي لهذه المرحلة المهمة من تاريخ المغرب.
ولفت السيد فارينيا إلى أنه على المستوى الإنساني، استندت العلاقات التاريخية بين البرتغال والمغرب على ركيزة ثقافية وحضارية أنشأت أساسا من القيم المشتركة، وهي التعايش والانفتاح والتسامح واحترام الخصوصيات الدينية والروحية للآخر، مشيرا إلى أن هذه القيم تمثل الطابع الثقافي لكلا الشعبين، وتعكس أيضا اعتزازهما بتراث مشترك.
وتميز هذا اللقاء، الذي عرف حضور سفير المغرب بالبرتغال، عثمان أبا حنيني، مشاركة شخصيات برتغالية بارزة تنتمي إلى عوالم الثقافة والمعرفة والسياسة.