24 ساعة

  • تحت الاضواء الكاشفة

    orientplus

    لماذا يتخوف النظام الجزائري من الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والإمارات؟

    أراء وكتاب

    بنطلحة يكتب: المغرب واستراتيجية ردع الخصوم

    فلنُشهد الدنيا أنا هنا نحيا

    الحلف الإيراني الجزائري وتهديده لأمن المنطقة

    دولة البيرو وغرائبية اتخاذ القرار

    الجزائر.. والطريق إلى الهاوية

    بانوراما

    الرئيسية | كُتّاب وآراء | المجتمعات الفايسبوكية

    المجتمعات الفايسبوكية

    يذكر بعضنا أن المغرب في زمن التمخزن الواضح كون واستحدث وأنشأ، بأوامر عليا وسفلى، جمعيات قالوا عنها مدنية أخذت مسميّات الأنهار والجبال والأشجار، كنهر أبي رقراق وأم الربيع و”تانسيفت” وكجبل “توبقال” والأطلس والريف وكشجر الأرز والنخيل، فأضيف لها بعد ذلك البحر والمحيط. في هذا الزمن غير البعيد عنّا، اعتبرت الأحزاب الوطنية آنذاك أن هذه الجمعيات التي كانت تسمّيها تهكّما بجمعيات السهول والأنهار، خلقوها أو أحدثها النظام من أجل تمييع الحقل السياسي والتشويش على العمل الحزبي المنضبط، وكانت هذه الجمعيات تملك ميزانيات ضخمة لا يعرف منابعها أحد، ولا يستطيع تجفيف منابعها أحد، تجف الأنهار  ولا تجفّ السيُّولة المالية لهذه الجمعيات، وكانت بطاقة الانتماء لهذه الجمعيات أكثر شأنا وأقوى حماية لأصحابها من بطاقة الانتماء للأحزاب الوطنية، أما باقي الأحزاب فبطاقهم إدارية أصلا، وتحزُّبهم كان لمهمة لا يعرفها أغلبهم..!! وتحت يافطة المجتمع المدني وجمعياته تناسلت جمعيات لا حصر لها، والهمُّ الأول والأخير لها هو تنظيم مهرجانات ترفيهية ساهرة، أضاف لها وزير الداخلية الراحل الذي أزمن في الداخلية سهرات المدن، التي كان يشرف عليها عمال المدن والأقاليم، وكان المواطن المغربي لا يخرج من سهرة إلا ليدخل في أخرى، ومن الإنصاف أن نقول إن الأحزاب الوطنية حاولت بكل الوسائل أن تواجه هذا “الإرهاب” الغنائي والسَّهراتي لكن السيل كان جارفاً، أو أن التخطيط كان محكما ومتقنا، أو أن التأطير الحزبي كان مغلوبا على أمره، أو أن جمعيات السهول والأنهار كانت أكثر إغراء يساعدها الوعي السياسي الهش للأكثرين أوْ كُلّ هذا مجتمعا..!! هذه الجمعيات كانت من الأسباب التي كانت وراء تمييع الحقل السياسي وتتفيه الأحزاب السياسية..!!

     

    بعد ملحمة الجمعيات التي ذكرنا، دخل المغرب إلى ما يسميه المجتمع المدني وأحدث له وزارة وكتابا وموظفين وتمويلات، وأصبح المجتمع المدني المغربي كما يدعون قوة اقتراحية، ونحن لا نرى للحكومة قوة اقتراحية فكيف ننتظر هذه القوة الاقتراحية من جمعيات ما يسمونه بالمجتمع المدني..!! المجتمع المدني.. المجتمع الرقمي.. المجتمع الفايسبوكي (الإحصائيات تقول إن خمسة وستين بالمائة من المغاربة لا يعرفون استعمال “الأنترنيت، والبقية نسبة لا بأس بها تستعمل الأنترنيت لأغراض قريبة من الأمية والفراغ)، عن أي مجتمع فايسبوكي أو رقمي أو افتراضي يتكلمون، اللهم إلا إذا كانت تسمية اقترضناها هي الأخرى من الآخرين، ولنسمها إذن المجتمعات الاقتراضية، على الأقل احتراما لمجتمع لا يعيش إلا اقتراضا وكذا شأن حكومة جلالاته، نعم. كثيرة هي المصطلحات التي أتت مهرّبة إلى مسامعنا، وبلا حشمة أو حياء اختلسوها ممن أوجدوها ثقافة وفعلا واخترعوها ممارسة وضرورة وجود..!! وتبتذل هذه الكلمات لتلوكها بلكنة فاضحة ألسنة لا تجد غضاضة في السطو على هموم الآخرين وانشغالاتهم وطموحاتهم… أعرف كما تعرفون أن هذه المصطلحات والمقولات سيكون استيرادها مؤقتا من أجل احتفالات متقطعة وبلا معنى لتعود عقب وبعد ذلك هذه المقولات إلى أصحابها مصونة محفوظة، بعد أن أحدثت عندنا تشويشا يضاف إلى هذا الضجيج العام.. وهكذا تصبح هذه الترسانة من المصطلحات طافية بلا معنى فوق هذا الآسن من المعيش..!!

     

    كم هو مضحك حدّ الفاجعة أن يتكلموا عن المجتمع المدني قبل تكوين المدينة أصلا… بل حتى قبل أن تصل طلائع مواكب المجتمع المدني أو وضوحا الإنسان المدني..!! فلا غرابة أن يتحول هذا المصطلح في الدول النائمة إلى تعبير عن تبرم وضجر فئة محظوظة (ولم أعرف يوما لماذا سميت بالمحظوظة، وكأن الوضع الاجتماعي عبارة عن عجلة “روليت” في نادٍ للقمار بحجم وطن)، وأبلغ مهمات هذا المجتمع المدني بكل أساميه هو تطبيع العلاقة بين الغاضبين الفقراء في أفق إيجاد ممر آمن للأغنياء..!! وأنتم أعزاءنا تعلمون كما أنا أن أغنياءهم قد ضاقوا بإخفاء النعم..!! والآن ما على الفقراء سوى أن يتحولوا إلى حسّاد فقط وبلا ضجيج..!! ويتمهل الفقراء قليلا فستبت في  أمر حرمانهم الخيريات وبعض المحسنين الذين يبحثون عن غنى في الآخرة كذلك، ولا تثريب ما دامت الزعامة للجيوب وبكل معاني الجيوب..!!

     

    أعرف أحدهم وبعد أن فهم بشكل متخلف التخلف حمل أبناءه وأهوالنا إلى إحدى الدول الأمريكية بدعوى أنه لا يمكن أن يترك فلذات تخلفه في وسط متعفن، ولا ندري متى أدرك تعفن الوطن أقبل الغنى أم بعده، والأغرب أن هذا الشخص الحديث الثراء والحديث الشم كذلك رئيس لجمعية من جمعيات المجتمع المدني..!! أقول بكل اطمئنان إن هذه الحالة ليست فريدة.

     

    لا غرابة أن تصبح الانتخابات والتصويت والترشح، والترشيح والمجتمع المدني والرقمي والفايسبوكي، كلمات أغنية أجنبية يرددها بعض الجمهور في ليلة ساهرة ليعود بعدها البلد إلى بياته وسباته السياسي وجغرافيته المنتظرة كسرا وفتحا..!! سمعت أنهم سيغيرون موعد مهرجان موازين في السنة القادمة حتى لا يتزامن مع شهر رمضان، شيء يبدو معه أن الزمن المدني كما الزمن السياسي يحتاج دوما ودائما إلى تحويرات..!!

     

    يبقى فقط أن أقول: قررت مدينة عربية قديمة أن تسمح للشاعر “ابن الخباز” الذي لا يستحق فعلا أن نصفه بالشاعر القديم فلعلنا تركنا المدينة والمدنيَّة وراءنا..!! يقول شاعرنا:

     

    يَا قَاسم الرِّزق لِمْ خانتْنِي القِسَمُ

    ما أنْتَ متَّهَمٌ فقُلْ لِي مَنْ أتَّهِمُ

    إنْ كَانَ نجْمِي نَحْساً فأَنْتَ خَالِقُه

    فَفِي كلْتا الحالَتيْن أَنْت الخصْمُ والحَكَمُ

     

    “ابن الخباز” أدرك معنى المدينة ولنا ولأعزائنا أن نستفتي القرى في هذا الزمن الهارب من أحلامنا..!!

    وكلّ مدنية وأنتم……………!!


    الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة وطنية | orientplus.net

    تعليقات الزوّار

    أترك تعليق

    من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

    صوت وصورة